للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الزيت، أو كالفضّة المذابة {يَشْوِي الْوُجُوهَ} وينضجها، والشيُّ: الإنضاج بالنار من غير إحراق، كما سيأتي في مبحث التصريف؛ أي: إذا قرب إلى الفم ليشرب سقطت فروة وجهه؛ أي: يؤتى لهم بماء غليظ كدريّ الزّيت وعكره؛ إذا قرب إليهم للشرب سقطت جلود وجوههم، ونضجت من شدّة حره.

روى أحمد، والترمذي، والبيهقي، والحاكم عن أبي سعيد الخدري: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «المهل كعكر الزيت» - بفتحتين - ما بقي في أسفل الإناء، «فإذا قرّب إليه سقطت فروة وجهه» وعن ابن عباس قال: أسود كعكر الزيت.

والمعنى: أنّه ينضج به جميع جلودهم. {بِئْسَ الشَّرابُ} ذلك الماء الموصوف؛ لأن المقصود بشرب الماء تسكين الحرارة، وهذا يبلغ في الإحراق مبلغًا عظيمًا، فالمخصوص بالذم محذوف تقديره: هو؛ أي: ذلك الماء المستغاث به كما قدرنا {وَساءَتْ} النار، وقبحت {مُرْتَفَقًا}؛ أي (١): متكأ، ومنزلًا، وأصل الارتفاق نصب المرفق، تحت الخد، وهو تمييز محول عن الفاعل، والأصل: قبح مرتفقها، فحوّل الإسناد إلى النار، ونصب مرتفقًا على التمييز مبالغة وتأكيدًا؛ لأن ذكر الشيء مبهمًا ثمّ مفسرًا أوقع في النفس من أن يفسّر أولًا، وأعربه بعضهم مصدرًا بمعنى الارتفاق، فعبر عن الإضرار والعذاب بالمرتفق الذي هو المنتفع به، أو نفس الانتفاع على سبيل المشاكلة، لقوله في الجنة: {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} وإلّا فأي ارتفاق في النار؟!

والمعنى: أي ما أقبح هذا الشراب الذي هو كالمهل، فهو لا يطفىء غلة، ولا يسكن حرارة الفؤاد، بل يزيد فيها إلى أقصى غاية، وما أسوأ هذه النار منزلًا ومرتفقًا، ومجتمعًا للرفقة مع الكفار والشياطين، وجاء في الآية الأخرى {إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقامًا (٦٦)}

٣٠ - ثم ثنى بذكر السعداء فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} وصدقوا بالحقّ الذي أوحي إليك، {وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} من الأعمال؛ أي: جمعوا بين عمل القلب، وعمل الأركان، والصالحات؛ جمع صالحة وهي (٢) في الأصل صفة، ثمّ غلب استعمالها فيما حسّنه الشرع من الأعمال، فلم تحتج إلى


(١) روح البيان.
(٢) الفتوحات.