للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

"وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يسأل عن الساعة فلا يجيب عنها ولما تبدى له جبريل في صورة أعرابيّ كان فيما سأله أن قال يا محمّد أخبرني عن الساعة قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل؟ ولمّا ناداه ذلك الأعرابيّ بصوت جهوري فقال: يا محمد متى الساعة؟ قال: "ويحك إنّها كائنة فما أعددت لها" قال: أما إني لم أعد لها كثير صلاة ولا صيام، ولكني أحب الله ورسوله، قال - صلى الله عليه وسلم -: "فأنت مع من أحببت". قال أنس: فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث.

٢٦ - {عَالِمُ الْغَيْبِ} قرأه الجمهور (١) بالرفع على أنّه بدل من {رَبِّي} أو بيان له، أو خبر مبتدأ محذوف، والجملة مستأنفة مقرّرة لما قبلها من عدم الدراية؛ أي: هو سبحانه عالم لجميع ما غاب عن الحسّ على أنَّ اللام للاستغراق. وقرىء بالنصب على المدح. وقرأ السدّي {عَلِمَ الغيبَ} بصيغة الفعل، ونصب الغيب. والفاء في قوله: {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} من خلقه لترتيب عدم الإظهار على تفرّده تعالى بعلم الغيب على الإطلاق؛ أي: لا يطلع على الغيب الذي يعلمه وهو ما غاب عن العباد أحدًا منهم.

٢٧ - ثم استثنى فقال: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى}؛ أي: إلا من ارتضاه واصطفاه واختاره من خلقه لإظهاره على بعض غيوبه حالة كون ذلك المرتضى {مِنْ رَسُولٍ} أرسله إلى خلقه أي رسول كان المتعلقة تلك الغيوب برسالته كما يعرب عنه بيان من ارتضى بالرسول تعلّقًا ما إما لكونه من مبادي رسالته بأن يكون معجزة دالة على صحتها، وإما لكونه من أركانها وأحكامها كعافة التكاليف الشرعية التي أمر بها المكلّفون وكيّفيات أعمالهم وأجزيتها المترتّبة عليها في الآخرة، وما تتوقّف هي عليه من أحوال الآخرة التي من جملتها قيام الساعة، والبعث والحشر، والحساب، والميزان وغير ذلك من الأمور الغيبية التي بيانها من وظائف الرسالة. وأمّا ما لا يتعلق بها (٢) على أحد الوجهين من الغيوب التي من جملتها وقت قيام الساعة، فلا يظهر عليه أحدًا أبدًا على أن بيان وقته مخلّ بالحكمة التشريعية التي يدور عليها فلك الرسالة.

قال القرطبي: قال العلماء: لما تمدح الله سبحانه بعلم الغيب، واستأثر به دون خلقه ... كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه. ثم استثنى من


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.