ارتضى من الرسل، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزةً لهم ودلالةً صادقةً على نبوتهم، وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى، وينظر في الكفّ وفي المسبحة، ويزجر بالطير ويخبر عن الجنّ، فيطلعه على ما يشاء من غيبه، فهو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه، وكذبه انتهى مع بعض زيادة، ولا تغتر بما ذكره الإمام الرازي في "تفسيره" هنا، كما رد عليه الإِمام الشوكاني.
فإن قلت (١): إذن قد تقرَّر بهذا الدليل القرآني أن الله يظهر من ارتضى من رسله على ما شاء من غيبه، فهل للرسول الذي أظهره الله على ما شاء من غيبه أن يخبر به بعض أمته؟
قلت: نعم، ولا مانع من ذلك. وقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا ما لا يخفى على عارف بالسنة المطهرة، فمن ذلك ما صحَّ أنه قام مقامًا أخبر فيه بما سيكون إلى يوم القيامة، وما ترك شيئًا مما يتعلق بالفتن ونحوها. حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه. وكذلك ما ثبت: من أن حذيفة بن اليمان كان قد أخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يحدث من الفتن بعده حتى سأله عن ذلك أكابر الصحابة، ورجعوا إليه.
وثبت في "الصحيح" وغيره: أن عمر بن الخطاب سأله عن الفتنة التي تموج كموج البحر، فقال: إن بينك وبينها بابًا مغلقًا، فقال عمر: هل يفتح أو يكسر؟ فقال: بل يكسر. فعلم عمر أنّه الباب، وأن كسره قتله كما في الحديث الصحيح: أنه قيل لحذيفة: هل كان عمر يعلم ذلك؟ فقال: نعم كان يعلم كما يعلم أن دون غد الليلة، وكذلك ما ثبت من إخباره لأبي ذر بما يحدث له، وإخباره لعليّ بن أبي طالب خبر ذي الثدية، ونحو هذا مما يكثر تعداده. وإذا تقرر. فلا مانع من أن يختص بعض صلحاء هذه الأمة بشيء من أخبار الغيب التي أظهرها الله تعالى لرسوله، وأظهرها رسوله لبعض أمته، وأظهرها هذا البعض من الأمة لمن بعدهم، فتكون كرامات الصالحين من هذا القبيل، والكل من الفيض الرباني بواسطة الجناب.
ثم ذكر سبحانه أنه يحفظ ذلك الغيب الذي يطلع عليه الرسول، فقال:{فَإنَّهُ} سبحانه {يَسْلُكُ} ويجعل {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ}، أي: من قدّام الرسول المرتضى {وَمِنْ