للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ونصره، ينصر من يشاء، ويخذل من يشاء من عباده، لا يضع شيئا في غير موضعه.

وظاهر الآية يدل على أن لإنزال الملائكة وإمداد المسلمين بهم فائدة معنوية، فهو يؤثر في القلوب فيزيدها قوة، وإن لم يكونوا محاربين، وهناك روايات تدل على أنّهم قاتلوا فعلا، وفي يوم أحد وعدهم الله وعدا معلقا على الصبر والتقوى، ولكن الشرط الأخير قد انتفى، فانتفى ما علق عليه.

١١ - واذكروا أيها المؤمنون نعمة {إِذْ يُغَشِّيكُمُ}؛ أي: نعمة إذ يلقي الله سبحانه وتعالى عليكم {النُّعاسَ}؛ أي: النوم الخفيف {أَمَنَةً مِنْهُ}؛ أي: حالة كون النعاس أمانا من الله لكم؛ أي: سبب أمان وسلامة لكم من عدوكم أن يغلبكم، قال عبد الله بن مسعود (١) النعاس في القتال أمنة من الله؛ أي: طمأنينة منه، وفي الصلاة من الشيطان، والفائدة في كون النعاس أمنة في القتال: أنّ الخائف على نفسه لا يأخذه النوم، فصار حصول النوم وقت الخوف الشديد دليلا على الأمن، وإزالة الخوف، وقيل: إنّهم لما خافوا على أنفسهم لكثرة عدوهم وعددهم، وقلة المسلمين عددا وعددا وعطشوا عطشا شديدا .. ألقى الله عليهم النوم حتى حصلت لهم الراحة، وزال عنهم الكلال والعطش، وتمكنوا من قتال عدوهم، وكان ذلك النوم نعمة في حقهم؛ لأنّه كان خفيفا بحيث لو قصدهم لعرفوا وصوله إليهم، وقدروا على دفعه عنهم، وقيل في كون هذا النوم كان أمنة من الله: أنّه وقع عليهم النعاس دفعة واحدة، فناموا كلهم مع كثرتهم، وحصول النعاس لهذا الجمع العظيم - مع وجود الخوف الشديد - أمر خارج عن العادة، فلهذا السبب قيل: إن ذلك النعاس كان في حكم المعجزة؛ لأنّه أمر خارق للعادة، وهذه (٢) الآية تتضمن ذكر نعمة أنعم الله بها عليهم، وهي أنّهم مع خوفهم من لقاء العدو، والمهابة لجنابه، سكن الله قلوبهم وأمنها حتى ناموا آمنين غير خائفين، وكان هذا النوم في الليلة التي كان القتال في غدها.

قيل: وفي امتنان الله عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان:


(١) الخازن.
(٢) الشوكاني.