٥٨ - ولما بين سبحانه أن الكفار متظاهرون على رسول الله، وأمره أن لا يطلب منهم أجرًا البتة أمره أن يتوكل عليه في دفع المضار وجلب المنافع، فقال:{وَتَوَكَّلْ}؛ أي: واعتمد يا محمد في الاستكفاء عن شرورهم، والإغناء عن أجورهم {عَلَى} الإله {الْحَيِّ}؛ أي: المتصف بالحياة الدائمة أزلًا وأبدًا {الَّذِي لَا يَمُوتُ}؛ أي: لا يطرأ عليه الموت الذي هو ضد الحياة، فإنه الحقيق بأن يتوكل عليه دون الأحياء الذين من شأنهم الموت، فإنهم إذا ماتوا ضاع من توكل عليهم.
وأصل التوكل (١): أن يعلم العبد بأن الحادثات كلها صادرة من الله تعالى، ولا يقدر أحد على الإيجاد غيره تعالى، فيفوض أمره إلى الله تعالى فيما يحتاج إليه، وهذا القدر فرض، وهو من شرط الإيمان, قال تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وما زاد على هذا القدر من سكون القلب وزوال الانزعاج والاضطراب فهي أحوال تلحق بالتوكل على وجه الكمال. كذا في "التأويلات النجمية".
والحاصل: أن معنى التوكل اعتماد العبد على الله في كل الأمور، والأسباب وسائط أمرنا باتباعها من غير اعتماد عليها، ومثل الآية قوله:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.
{وَسَبِّحْ}؛ أي: نزّهه تعالى عن صفات النقصان، وعن كل ما يرد على الوهم والخيال حال كونك متلبسًا {بِحَمْدِهِ} تعالي؛ أي: مثنيًا عليه بنعوت الكمال طالبًا لمزيد الإنعام بالشكر على سوابقه، وفي الحديث:"من قال كل يوم: سبحان الله وبحمده مئة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر"، وهما الكلمتان الخفيفتان على اللسان، الثقيلتان في الميزان. وقيل: معنى {سبحْ} صلّ، والصلاة تسمى تسبيحًا.
والمعنى: أي وتوكل على ربك الدائم الباقي رب كل شيء ومليكه، واجعله