للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكلام كما أمسك.

٤٤ - ثم ذكر أنه رخص له سبحانه في تحلة يمينه، فقال: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} معطوف (١) على {ارْكُضْ} أو على {وَهَبْنا} بتقدير: وقلنا خذ بيدك إلخ. والأول أقرب لفظًا، وهذا أنسب معنى، فإن الحاجة إلى هذا الأمر لا تمس إلا بعد الصحة؛ أي: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا}؛ أي: ملء كفك من حشيش، أو عيدان، أو ريحان أو عثكال نخل بشماريخه {فَاضْرِبْ بِهِ}؛ أي: بذلك الضغث زوجك، وبر في يمينك {وَلا تَحْنَثْ} فيها، فإن البر يتحقق بذلك، فأخذ ضغثًا، فضربها به ضربة واحدة، يقال: حنث في يمينه إذا لم يف بها، وكان (٢) حلف في مرضه ليضربن امرأته مئة سوط إذا برأ. فحلل يمينه بأهون شيء عليه وعليها لحسن خدمتها إياه، وهذه الرخصة باقية إلى يوم القيامة، ويجب أن يصيب المضروب كل واحدةٍ من المئة. والسبب في يمينه، أنها أبطأت عليه ذاهبةً في حاجة، وقيل: باعت ذؤابتيها برغيفين، إذ لم تجد شيئًا، وكان أيوب يتعلق بهما إذا أراد القيام، وقيل: غير ذلك، وهذا الذي ذكرنا أليق بالمقام، والضغث: عثكال النخل بشماريخه، وقال الواحدي: الضغث ملء الكف من الشجر، والحشيش، والشماريخ.

فإن قلت (٣): لم قال الله سبحانه، لأيوب عليه السلام: {وَلا تَحْنَثْ}، وقال لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ}؟.

قلت: لأن كفارة اليمين لم تكن لأحد قبلنا، بل هي لنا، مما أكرم الله به هذه الأمة، بدليل قوله تعالى: {لَكُمْ}، كذا في «أسئلة الحكم»، وفي كلام بعض المفسرين: لعل التكفير لم يجز في شرعهم، أو أن الأفضل الوفاء به، انتهى.

والمعنى (٤): أي وخذ حزمة صغيرة من ريحان، أو كلأ أو عثكال نخل، فاضرب بها، فيكون ذلك تحلة ليمينك التي حلفتها، والكتاب الكريم لم يبين لنا


(١) الإرشاد.
(٢) النسفي.
(٣) روح البيان.
(٤) المراغي.