للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

علام حلف، وعلى من حلف. ويذكر الرواة: أنه حلف على زوجته رحمة، بنت أفراثيم، وقد كانت ذهبت لحاجة، فأبطأت عليه، فحلف ليضربنها إن برىء مئة ضربة. فرخص له ربه أن يأخذ حزمة صغيرة، ويضربها بها، وبذا يتحقق البر في يمينه رحمة به، وبها لحسن خدمتها له، وقيامها بواجباته المنزلية أثناء مرضه.

وفي هذا مخرج، وفرج لمن اتقى الله، وأناب إليه، ولهذا قال عز اسمه: {إِنَّا وَجَدْناهُ}؛ أي: وجدنا أيوب، وعلمناه {صَابِرًا} على ما أصابه في النفس، والأهل، والمال من البلاء الذي ابتليناه، فإنه ابتلي بالداء العظيم في جسده، وذهاب ماله، وأهله، وولده، فصبر على ذلك، وفي «التأويلات النجمية»: يشير إلى أن أيوب عليه السلام، لم يكن ليجد نفسه صابرًا، لولا أنا وجدناه؛ أي: جعلناه صابرًا. يدل على هذا المعنى، قوله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}؛ أي: هو الذي صبرك وإن لم تكن تصبر، انتهى.

روي (١): أنه بلغ أمر أيوب عليه السلام، إلى أن لم يبق منه إلا القلب، واللسان، فجاءت دودة إلى القلب فعضته، وأخرى إلى السان فعضته، فعند ذلك دعا أيوب، فوقعت دودة في الماء، فصار علقًا، وأخرى في البر، فصار نحلًا يخرج منه العسل، وفي «زهرة الرياض»: أنه بقي على بدنه أربعة من الديدان: واحد طار ووقع على شجرة الفرصاد فصار دود القز، وواحد وقع في الماء فصار علقًا، وواحد وقع في الحبوب فصار سوسًا، والرابع طار ووقع في الجبال والأشجار فصار نحلًا، وهذا بعد ما كشف الله عنه.

{نِعْمَ الْعَبْدُ} أيوب، وحسن {إِنَّهُ أَوَّابٌ} تعليل (٢) لمدحه؛ أي: إنما قيل فيه: نعم العبد؛ لأنه رجاع إلى الله تعالى، لا إلى الأسباب، مقبل بجملة وجوده إلى طاعته، أو رجّاع إلى الحضرة في طلب الصبر على البلاء والرضى بالقضاء، ولقد سوى الله سبحانه وتعالى، بين عبديه اللذين، أحدهما: أنعم عليه فشكر، والآخر: ابتلي فصبر، حيث أثنى عليهما ثناءً واحدًا، فقال في وصف سليمان:


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.