له، فأين حال هذا الشقي من حال المؤمن التقيّ، فإنه ينال من الدنيا ما قدره الله له وأراده بلا هلع منه، ولا جزع، مع سكون نفسه، واطمئنان قلبه، وثقته بربّه، وهو مع ذلك عامل للآخرة منتظر للجزاء من الله سبحانه، وهو الجنة.
والمعنى: أي من (١) كان غرضه، وطلبه الدنيا العاجلة، ولها يعمل ويسعى، وإيّاها يبتغي، لا يوقن بمعاد ولا يرجو ثوابًا، ولا يخشى عقابًا من ربه على ما يعمل، يعجّل الله له في الدنيا ما يشاء من بسط الرزق، وسعة العيش، ثمّ يصليه حين مقدمه عليه في الآخرة جهنّم مذمومًا على قلّة شكره، وسوء صنيعه فيما سلف، مبعدًا من رحمته مطرودًا من إنعامه.
وقد اشتمل هذا العقاب على ثلاثة أمور:
١ - الدوام والخلود، وإلى ذلك الإشارة بقوله:{ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها}؛ أي: يدخلها حتى تغمره من جميع جوانبه.
٢ - الإهانة والاحتقار، وإلى ذلك الإشارة بقوله:{مَذْمُومًا}.
٣ - البعد والطّرد من رحمة الله دائمًا، فلا يتخلّل ذلك راحة، ولا يعقبه خلاص، وإلى هذا أشار بقوله:{مَدْحُورًا} وفي قوله: {لِمَنْ نُرِيدُ} إشارة إلى أن الفوز بالدنيا، لا يحصل لكل من يريدها، فكثير من الكفار الضلال يعرضون عن الدين في طلب الدنيا، ثمّ هم يبقون محرومين من الدين والدنيا.
وفي هذا تهديد وزجر عظيم لهؤلاء الكفار، فإنهم قد يتركون الدين لطلب الدنيا، وربما فاتتهم أيضًا،
١٩ - وذكر الثاني من القسمين بقوله:{وَمَنْ أَرادَ} بأعماله الصالحة الدار {الْآخِرَةَ}، أي: ثوابها، وما فيها من النعيم المقيم بأن يؤثرها على الدنيا، ويعقد إرادته بها {وَسَعى لَها}، أي للآخرة {سَعْيَها}؛ أي: السعي اللائق بها، وهو الإتيان بما أمر به، والإنتهاء عما نهي عنه خالصًا لله غير مشوب، وكان الإتيان به على القانون الشرعي من غير ابتداع ولا هوى لا التقرب