القاضي لا يساعد من يظن أنه صاحب الحق، بل عليه أن يساوي بين المتخاصمين في كل شيء، ثم رغبهم في المغفرة فقال:{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}؛ أي: مبالغًا في المغفرة والرحمة لمن استغفره واسترحمه.
١٠٧ - {وَلَا تُجَادِلْ}؛ أي: لا تخاصم يا محمد ولا تدافع {عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ}؛ أي: يخونون أنفسهم بالمعاصي. وسمى خيانة غيرهم خيانة لأنفسهم؛ لأن ضررها عائد إليهم، وهم طعمة ومن عاونه من قومه ممن علم كونه سارقًا. ووجه هذا الخطاب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أعدل الناس وأكملهم، مبالغة في التحذير من هذه الخلة المعهودة في كثير من الحكام.
وخلاصة المعنى: لا تدافع عن هؤلاء الخونة، ولا تساعدهم عند التخاصم {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى يبغض و {لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}؛ أي: كثير الخيانة {أَثِيمًا}؛ أي: كثير الإثم فإن طعمة خان في الدرع، وأثم في نسبة اليهودي إلى تلك السرقة، وطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدفع السرقة عنه، ويلحقها باليهودي، وهذا يبطل رسالة الرسول، ومن حاول إبطالها وإظهار كذبه .. فهو كافر، والمراد بعدم الحب البغض والسخط؛ أي: إن الله تعالى يبغض من اعتاد الخيانة، وألفت نفسه اجتراح السيئات، وضربت عليها، ولم يعد للعقاب الإلهي الرهبة والخشية، التي ينبغي أن يفكر مثله فيها، وإنما يحب الله سبحانه وتعالى أهل الأمانة والاستقامة،
١٠٨ - ثم بين أحوال الخائنين ونعى عليهم أفعالهم فقال:{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ}؛ أي: يستترون من الناس حياء وخوفًا من ضررهم، {وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ}؛ أي: لا يستترون من الله، أو لا يستحيون منه تعالى، {وَهُوَ مَعَهُمْ}؛ أي: والحال أن الله سبحانه وتعالى مع أولئك الخائنين بعلمه ورؤيته وقدرته، {إِذْ يُبَيِّتُونَ}؛ أي: إذ يدبرون في الليل بينهم، {مَا لَا يَرْضَى} الله سبحانه، ولا يحبه {مِنَ الْقَوْلِ}؛ أي: من الرأي الذي أداروه بينهم، وذلك أن قوم طعمة قالوا فيما بينهم: نرفع الأمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه يسمع قول طعمة، ويقبل يمينه على أنه لم يسرق؛ لأنه مسلم، ولا يقبل قول اليهودي؛ لأنه كافر، فلم يرض الله ذلك منهم، فأطلع نبيه - صلى الله عليه وسلم - على سرهم، وما هموا به وسمى تدبيرهم تبييتًا؛ لأن الغالب أن تكون إدارة الرأي بالليل، وسماه قولًا؛ لأنه لا يحصل إلا بعد المقاولة بينهم.