للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٣٥ - ولمّا أراد سبحانه أن يهلك المجرمين .. ميّز عنهم المؤمنين، وأبعدهم عنهم كما قال: {فَأَخْرَجْنَا} الفاء: عاطفة على محذوف معلوم من السياق، تقديره: فباشروا ما أمروا به. فأخرجنا بقولنا: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ...} إلخ. فهو إخبار من الله سبحانه، وليس بقول الملائكة. {مَنْ كَانَ فِيهَا}؛ أي: في قرى قوم لوط. وهي خمس على ما في تفسير الكاشفي. وإضمارها (١) بغير ذكرها لشهرتها. {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}؛ أي: من آمن بلوط

٣٦ - {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا}؛ أي: في قرى قوم لوط {غَيْرَ بَيْتٍ} أي: غير أهل بيت واحد. وهو بيت لوط {بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} قيل: هم لوط، وابنتاه. وأما امرأته فكانت كافرة. وقيل: كان لوط وأهل بيته الذين نجوا ثلاثة عشر. قال العلماء (٢): يأتي النبي يوم القيامة ومعه أمّتة، وآخر معه قومه، وآخر معه رهطه، وآخر معه ابنه، وآخر معه رجل، وآخر استتبع ولم يتبع، ودعا فلم يجب، وذلك لإتيانه في الوقت الشديد الظلمة.

وفي الآية: إشارة إلى أن المسلم والمؤمن متحدان صدقًا وذاتًا لا مفهومًا. والمسلم أعمُّ من المؤمن. فإنّه ما من مؤمن إلا وهو مسلم من غير عكس، والعامّ والخاص قد يتصادقان في مادّة واحدة، وقال بعضهم: الإيمان: هو التصديق بالقلب: أي: إذعان الحكم المخبر، وقبوله، وجعله صادقًا، والإِسلام: هو الخضوع والانقياد بمعنى قبول الأحكام والإذعان. وهذا حقيقة التصديق كما لا يخفى على من له أدنى عقل وتأمل، وإنكار ذلك مكابرة.

٣٧ - {وَتَرَكْنَا فِيهَا} أي: في تلك القرى {آيَةً}؛ أي: علامةً دالةً، على ما أصابهم من العذاب. هي تلك الحجارة، أو ماء أسود منتن خرج من أرضهم. {لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}؛ أي: من شأنهم أن يخافوه لسلامة فطرتهم ورقّة قلوبهم، دون من عداهم من ذوي القلوب القاسية، فإنهم لا يعتدون بها, ولا يعدونها آيةً. كما شاهدَنا أكثر الحجاج حين المرور بمدائن صالح عليه السلام.

وكان - صلى الله عليه وسلم - يبكي حين المرور بمثل هذا الموضع، وينكس رأسه، ويأمر بالبكاء والتباكي، ودلت الآية على كمال قدرته تعالى على إنجاء من يؤيّد دينه، والانتقام من أعدائه ولو بعد حين، وعلى أنّ المعتبر في باب النجاة والحشر مع أهل الفلاح


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.