للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي «بحر العلوم» (١): ليس من الذهاب الذي هو نقيض المجيءِ، بَلْ معناه: امض لما قصدته، أو طردت له، تخلية بينه وبين ما سولت له نفسه، أو هو على وجه الإهانة والتهديد، تقول لمن لا يقبل منك: اذهب وكن على ما اخترت لنفسك. {فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ} على الضلالة {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ}؛ أي: جزاؤك وجزاؤهم، فغلّب المخاطب رعاية لحق المتبوعية، {جَزاءً مَوْفُورًا} نصب على المصدرية بإضمار فعله؛ أي: تجزون جزاء مكملًا من وفر الشيء إذا كمل.

والمعنى: فمن أطاعك من ذرية آدم، وضلَّ عن الحق، فإن جزاءك على دعائك إياهم، وجزاءهم على اتباعهم لك وخلافهم أمري جزاءٌ موفور، لا ينقص لكم منه شيءٌ بما تستحقون من سيء الأعمال، وما دنّستم به أنفسكم من قبيح الأفعال،

٦٤ - ثم قال تعالى مهددًا له: {وَاسْتَفْزِزْ}؛ أي: استزل واستخف وأزعج وحرك {مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ}؛ أي: من ذرية آدم استزلاله وإزعاجه {بِصَوْتِكَ}؛ أي: بوسوستك ودعائك إلى معصية الله تعالى، وقيل: أراد بصوتك الغناء، والمزامير، واللهو واللعب {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ}؛ أي: وصح على من استطعت من ذرية آدم مصحوبًا {بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ}؛ أي: بأعوانك وأنصارك الركاب والمشاة.

فروى أبو الضحى عن ابن عباس أنه قال: كل راكب أو ماش في معصية الله تعالى فهو من خيل إبليس وجنوده، وفي «الكواشي» (٢): جلب وأجلب واحدٌ بمعنى: الحث والصياح؛ أي: صح عليهم بأعوانك، وأنصارك من راكب وراجل من أهل الفساد، والخيل الخيّالة بتشديد الياء، وهي أصحاب الخيول، والرّجل بالسكون بمعنى الراجل، وهو من لم يكن له ظهر يركبه.

قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: إن خيلًا ورجلًا من الجن والإنس، فما كان من راكب يقاتل في معصية الله فهو من خيل إبليس، وما كان من راجل يقاتل في معصية الله فهو من رجل إبليس.


(١) السمرقندي.
(٢) روح البيان.