للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالعهود والمواثيق {أَجْرَهُمْ} الخاص بهم بمقابلة صبرهم على الأمور المذكورة، وهو مفعول ثان لنجزين {بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ أي (١): لنجزينهم بسبب صبرهم على ما نالهم من مشاق التكليف وجهاد الكافرين، والصبر على ما ينالهم منهم من الإيذاء، بأحسن ما كانوا يعملون من الطاعات، قيل: وإنما خصّ أحسن أعمالهم لأن ما عداه وهو الحسن مباح، والجزاء إنما يكون على الطاعة، وقيل: المعنى ولنجزينهم بجزاءٍ أشرف وأوفر من عملهم، كقوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} أو لنجزينهم بحسب أحسن أفراد أعمالهم، على معنى لنعطينهم بمقابلة الفرد الأدنى من أعمالهم المذكورة ما نعطيهم بمقابلة الفرد الأعلى منها، من الجزاء الجزيل لا أنا نعطي الأجر بحسب أفرادها المتفاوتة في مراتب الحسن، بأن نجزي الحسن منها بالأجر الحسن، والأحسن بالأحسن كذا قيل، قال أبو حيان: والذي (٢) يظهر أن المراد بالأحسن هنا الصبر؛ أي: ولنجزين الذين صبروا بصبرهم؛ أي: بجزاء صبرهم، وجعل الصبر أحسن الأعمال، لاحتياج جميع التكاليف إليه، وهو أس الأعمال الصالحة ورأسها، فكان الأحسن لذلك، وقرأ عاصم وابن كثير: {ولنجزين} بالنون وباقي السبعة بالياء.

وفي الآية (٣): عدةٌ جميلةٌ باغتفار ما عسى أن يكون قد فرط منهم أثناء ذلك من جزع يعتريهم بحسب الطبيعة البشرية.

٩٧ - ثم رغبهم في المثابرة على أداء الطاعات وعمل الواجبات الدينية فقال: {مَنْ عَمِلَ} عملًا {صَالِحًا} أيَّ عمل كان قوليًّا أو فعليًّا، وهو ما كان لوجه الله تعالى ورضاه، ليس فيه هوى ولا رياء، والفرق بينهما أن الهوى بالنسبة إلى النفس والرياء بالنسبة إلى الخلق، حال كون ذلك العامل {مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}؛ أي: من رجل أو امرأة، بينه (٤) بالنوعين ليعمُّهما الوعد الآتي، ولا يتوهم التخصيص بالذكور بناء على كثرة استعمال لفظ {مِنْ} فيهم، وأن الإناث لا


(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٤) روح البيان.