للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يدخلن في أكثر الأحكام والمحاورات إلا بطريق التغليب أو التبعية {وَهُوَ}؛ أي: والحال أن ذلك العامل {مُؤْمِنٌ} مخلص، قيده به إذ لا اعتداد بأعمال الكفرة في استحقاق الثواب، وإنما المتوقع عليها تخفيف العذاب {فَلَنُحْيِيَنَّهُ} في الدنيا {حَيَاةً طَيِّبَةً} فيعيش عيشًا طيبًا لأنه إن كان موسرًا فظاهر، وإن كان معسرًا يطيب عيشه بالقناعة والرضا بالقسمة، وتوقع الأجر العظيم في الآخرة، كالصائم يطيب نهاره بملاحظة نعيم ليله، بخلاف الفاجر فإنه إن كان معسرًا فلا يدعه الحرص وخوف القوت أن يتهنأ بعيشه، واللام في قوله: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ} لام قسم، وكذا في قوله: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ}؛ أي: ونعطين أولئك العاملين في الآخرة {أَجْرَهُمْ} الخاص بهم وثوابهم الجزيل {بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ أي: بما كانوا يعملون من الصالحات، وإنما أضيف (١) إليه الأحسن للإشعار بكمال حسنه، وقد قدَّمْنا قريبًا تفسير الجزاء بالأحسن في حق الصابرين فراجعه، ووحَّد (٢) الضمير في {لنحيينه} وجمعه في {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} حملًا على لفظ {مِنْ} وعلى معناه، وروي (٣) عن نافع: {وليجزينهم} بالياء بدل النون التفت من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة.

والمعنى: أي (٤) من عمل صالح الأعمال، وأدى فرائض الله التي أوجبها عليه، وهو مصدق بثوابه الذي وعد به أهل طاعته، وبعقاب أهل المعصية على عصيانهم .. فلنحيينه حياة طيبة تصحبها القناعة بما قسم الله له، والرضا بما قدره وقضاه، إذ هو يعلم أن رزقه إنما حصل بتدبيره، والله محسن كريم لا يفعل إلَّا ما فيه المصلحة، ويعلم أن خيرات الدنيا سريعة الزوال فلا يقيم لها في نفسه وزنًا، فلا يعظم فرحه بوجدانها، ولا غمه بفقدانها، ثم هو بعد ذلك يجزى في الآخرة أحسن الجزاء، ويثاب أجمل الثواب، جزاء ما قدم من عمل صالح، وتحلى به من إيمان صادق، أما من أعرض عن ذكر الله تعالى، فلم يؤمن ولم يعمل صالحًا .. فهو في عناء ونكد، إذ يكون شديد الحرص والطمع في الحصول على


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.