للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأنار سبيل النجاة، وهو التوراة، والزبور، والإنجيل، وإنما عطف الكتاب المنير على الزبر لشرفه، وفضله باشتماله على الأحكام.

والمعنى: فقد كذب رسل من قبلك جَاءُوا بمثل ما جئت من باهر المعجزات، وهزوا القلوبَ بالزواجر، والعظات، وأناروا بالكتاب سبيلَ النجاة، فلم يغن ذلك عنهم شيئًا، فصبروا على ما نالهم من الأذى، وما نالهم من السخرية، والاستهزاء، ذلك أسوة بهم. وفي هذا تسلية للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - وبيان بأن طباع البشر في كل الأزمنة سواء، فمنهم من يتقبل الحق، ويقبل عليه بصدر رحب ونفس مطمئنة، ومنهم من يقاوم الحقَ، والداعي إليه ويسفه أحلام معتنقيه؛ فليس بالعجيب منهم أن يقاوموا دعوتك، ولا أن يفندوا حجتك، فإن نُفُوسَهم منصرفة عن طلب الحق، وتحري سبل الخير.

وقر الجمهور (١) {والزبور والكتاب} بغير الباء فيهما، وقرأ ابن عامر، {وبالزبر} بإعادة {الباء} كقراءة ابن عباس، للدلالة على أنها مغايرة للبينات بالذات، وكذا هي في مصاحف أهل الشام، وقرأ هشام بخلاف عنه، {وبالكتاب} وإعادة {الباء} وإعادة حرف البحر في المعطوف للتأكيد.

١٨٥ - {كُلُّ نَفْسٍ}؛ أي: كل روح من حيوان حاضر في دار التكليف {ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}؛ أي: ذائقة موت (٢) أجسادها إذ النفس بمعنى الروح، لا تموت، ولو ماتت لما ذاقت الموت في حال موتها؛ لأن الحياة شرط في الذوق، وسائر الإدراكات. وقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}؛ أي: حين موت أجسادها، والمعنى كل نفس تذوق طعمَ مفارقة البدن، وتحس به. وقرأ الجمهور (٣) {ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} بالإضافة، وقرأ الأعمش، ويحيى بن وثاب، وابن أبي إسحاق، {ذائقةٌ الموت} بالتنوين، ونصب الموت، وقرأ الأعمش فيما نقله الزمخشري {ذائقة} بغير تنوين الموت بالنصب، وخرج على حذف التنوين لالتقاء


(١) البحر المحيط.
(٢) الجمل.
(٣) البحر المحيط والشوكاني.