للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الساكنين، كقراءة من قرأ {هل هو الله أحد الله الصمد} بحذف التنوين من أحد، وقرىء أيضًا شاذًا {ذائقة الموت} على جعل الهاء ضمير {كلٍ} على اللفظ، وهو مبتدأ وخبر كما ذكره أبو البقاء {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ}؛ أي: وإنما تعطون جزاء أعمالكم كاملًا، وافيًا {يَوْمَ الْقِيَامَةِ}؛ أي: يوم قيام الخلق من القبور، وذلك عند النفخة الثانية، وفي ذكر لفظ التوفية إشارة إلى أن بعض أجورهم يصل إليهم قبل يوم القيامة، ويؤيده ما أخرجه الترمذي، والطبراني مرفوعًا "القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران" {فَمَنْ زُحْزِحَ} وأبعد {عَنِ النَّارِ} يوم القيامة {وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}؛ أي: فقد ظفر بالمحبوب، ونجا من المكروه؛ أي: فمن نجا، وخلص من العذاب والنار يوم القيامة، ووصل إلى الثواب والجنة، فقد ظفر بالمقصد الأسنى، والغاية القصوى، التي لا مطلبَ بعدها.

وقد روي (١) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتدركه منيته، وهو يؤمن باللهِ واليوم الآخر، وليؤت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه". رواه وكيع بن الجراح في تفسيره، عن عبد الله بن عمرو بن العاص وقد رواه الإِمام أحمد في "مسنده" عن وكيع بسنده.

والخلاصة (٢): أن هناك جنة ونارًا، وإن من الناس من يلقى في هذه، ومنهم من يلقى في تلك، وإن هولَ النار عظيم، وعبر عن النجاة عنها بالزحزحة، كأن كلَّ شخص كان مشرفًا على السقوط فيها؛ لأن أعمالهم سائقةٌ لهم إلى النار؛ لأنها أعمال حيوانية، تسوق إليها، ولا يدخل الجنة أحدٌ إلا إذا زحزح، فالزحزحة عنها فوز عظيم، فأولئك المزحزحون هم الذين غلبت صفاتهم الروحية على الصفات الحيوانية، فأخلصوا في إيمانهم، وجاهدوا في الله حق جهاده، ولم يبق في نفوسهم شائبة من إشراك غير الله معه في عمل من أعمالهم.

والمعنى: فمن بعد عن النار يومئذ ونحي عنها. فقد فاز؛ أي: ظفر بما يريد، ونجا مما يخاف، وهذا هو الفوز الحقيقي الذي لا فوزَ يقاربه، فان كل


(١) ابن كثير.
(٢) المراغي.