فوز وإن كان بجميع المطالب دون الجنة، ليس بشيء بالنسبة إليها، اللهم لا فوز إلا فوز الآخرة، ولا عيش إلا عيشها، ولا نعيم إلا نعيمها، فاغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وارض عنا رضًا لا سخط بعده أبدًا، واجمع لنا بين الرضا منك علينا والجنة.
{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}؛ أي: وما حياتنا القربى إلى الزوال، أو الدنيئة التي نحن فيها، ونتمتع بلذاتها الحسية من مأكل، ومشرب، أو المعنوية كالجاه والمنصب، والسيادة {إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} ومواعين الخداع؛ لأنَّ صاحبَها دائمًا مغرور بها، مخدوع لها تشغله كل حين بجلب لذاتها، ودفع آلامها، فهو يتعب لما لا يستحق التعب به، ويشقى لتوهم السعادة فيها.
والمتاع: كل ما يتمتع به الإنسان، وينتفع به، ثم يزول، ولا يبقى، والغرور ما يغرُّ الإنسان مما لا يدوم، وقيل: الغرور الباطل الفاني، الذي لا يدوم.
ومعنى الآية (١) أن منفعةَ الإنسان بالدنيا كمنفعته بهذه الأشياء التي يستمتع بها، ثم تزول عن قريب، وقيل: هي متاع متروك، يوشك أن يضمحل ويزولَ، فخذوا من هذا المتاع، واعملوا فيه بطاعة الله ما استطعتم. قال سعيد بن جبير: هي متاع الغرور، لمن لم يشتغل بطلب الآخرة، وأما من اشتغل بطلب الآخرة فهي له متاع، وبلاغ إلى ما هو خير منها.
والخلاصة: أن الدنيا ليست إلا متاعًا من شأنه أن يغرَ الإنسانَ، ويشغله عن تكميل نفسه بالمعارف، والأخلاق التي ترقى بروحه إلى سعادة الآخرة. فينبغي له أن يحذر من الإسراف في الاشتغال بمتاعها عن نفسه، وإنفاق الوقت فيما لا يفيد إذ ليس للذاتها غاية تنتهي إليها، فلا يبلغ حاجةً منها إلا طلب أخرى.