النَّارِ}؛ أي: فزده في النار عذابًا ذا ضعف. والضعف: بأن يزيد عليه مثله. و {مَنْ} يجوز أن تكون شرطية، و {فَزِدْهُ} جوابها، وأن تكون موصولة بمعنى: الذي مرفوعة المحل على الابتداء، والخبر {فَزِدْهُ}. والفاء: زائدة لتضمن المبتدأ معنى الشرط، و {ضِعْفًا} صفة لـ {عَذابًا} بمعنى: مضاعفًا، {وفِي النَّارِ} ظرف لـ {زده} أو نعت لـ {عَذابًا}.
والمعنى: أي قال الأتباع دعاء على الرؤساء: ربنا، آت من قدم لنا هذا العذاب، عذابًا مضاعفًا في النار، للضلال، وعذابًا للإضلال. كما ورد في الحديث:«من سن سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها». ونحو الآية قوله:{رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ}، وقوله: {وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (٦٧) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (٦٨)}.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: العذاب الضعف: هو الحيات، والأفاعي، وذلك المضل آذى روح من أضله في الدنيا، فسلط الله عليه المؤذي في الآخرة؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فعلى العاقل إصلاح الباطن وتزكيته من الأخلاق الذميمة والوصاف القبيحة، وإصلاح الظاهر وتحليته عن الأقوال الشنيعة، والأعمال الفظيعة، ولا يغتر بالقرناء السوء، فإنهم منقطعون غدًا من كل خلة ومودة، ولا ينفع لأحد إلا القلب السليم، والعلم النافع، والعمل الصالح، اللهم اجعلنا من أهل المحبة والرحبة، ولا تجعلنا من أهل السخط والغضب.
٦٢ - وبعد أن ذكر حديثهم عن أحبابهم في الدنيا، حكى حديثهم عن أعدائهم فيها، فقال:{وَقالُوا}؛ أي: وقال المشركون بعضهم لبعض، على سبيل التعجب والتحسر، إذا افتقدوا المؤمنين ولم يجدوهم في النار:{ما لَنا}؛ أي: ما بالنا وشأننا. و {ما} استفهامية مبتدأ، و {لَنا} خبره، وهو مثل قوله:{ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ} في أن الاستفهام محمول على التعجب، لا على حقيقته، إذ لا معنى لاستفهام العاقل عن نفسه، والفعل المنفي في قوله:{لا نَرى رِجالًا} حال من ضمير {لَنا}؛ أي: أي شيء ثبت لنا، حال كوننا غير رائين رجالًا {كُنَّا} في الدنيا {نَعُدُّهُمْ} ونظنهم {مِنَ الْأَشْرارِ} والأراذل الذين لا خير فيهم، ولا جدوى،