للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يكونوا بعيدين عن رحمته، مطرودين من فضله وجوده، ومن يبعده الله تعالى من رحمته فلن ينصره أحد من دونه، إذ لا سبيل لأحد إلى تغيير سننه تعالى في خليقته، وهو قد جعل الخذلان نصيب من يؤمنون بالجبت والطاغوت؛ إذ هم قد جاوزوا سنن الفطرة، واتبعوا الخرافات والأوهام؛ لأنه إنما ينصر المؤمنين باجتنابهم ذلك، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}.

٥٣ - ثم انتقل من توبيخهم على الإيمان بالجبت والطاغوت، وتفضيلهم المشركين على المؤمنين، إلى توبيخهم على البخل والأثرة، وطمعهم في أن يعود إليهم الملك في آخر الزمان، وأنه سيخرج منهم من يجدد ملكهم ودولتهم، ويدعو إلى دينهم، فقال: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (٥٣)} وخصت هذه الأشياء الحقيرة المذكورة بقوله: فتيلًا في قوله: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}، وهنا بقوله: {نقيرًا} لوفاق النظير من الفواصل، ذكره أبو حيان. و {أم} في قوله: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ} بمعنى بل التي للاضراب الإبطالي، وهمزة الإنكار؛ لأن الكلام إنكار على اليهود، وإبطال لقولهم: نحن أولى بالملك والنبوة، فكيف نتبع العرب، وتكذيب لهم في زعمهم أن الملك يعود إليهم في آخر الزمان، فيخرج منهم من يجدد ملكهم ودولتهم، و {إذًا} في قوله: {فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ} حرف جواب وجزاء لشرط مقدر، ورُفع الفعل بعدها، وإن كان مرجوحًا عند النحاة، لأن القراءة سنة متبعة، والفاء: للسببية الجزائية لذلك الشرط المحذوف. وقرىء - شاذًا على الأرجح -: بحذف النون، فقوله: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ}؛ أي: بل ألهم نصيب من الملك، يعني ليس لليهود ملك، ولو كان لهم ملك .. إذًا لم يؤتوا أحدًا شيئًا لشدة حرصهم وبخلهم؛ أي: إنهم لا حظ لهم من الملك، إذ هم فقدوه بظلمهم وطغيانهم، وإيمانهم بالجبت والطاغوت.

والمعنى (١): ليس لهم من الملك شيء البتة، ولو كان لليهود نصيب منه، فيتسبب عن ذلك أنهم لا يعطون واحدًا من الناس قدر ما يملأ النقير، وهو النقرة


(١) مراح.