قال بعض العلماء في قوله تعالى:{إِلى حِينٍ} فائدة لآدم عليه السلام، ليعلم أنه غير باق فيها، ومنتقل إلى الجنة التي وعد الرجوع إليها، وهي لغير آدم دالة على المعاد فحسب، ولما هبطوا وقع آدم بأرض الهند، ووقعت حواء بجدة، وبينهما سبعمائة فرسخ، فجاء آدم في طلبها حتى أتى جمعا، فازدلفت إليه حواء، فلذلك سميت المزدلفة، واجتمعا بجمع، والحية بسجستان، وكانت أكثر بلاد الله حيات، ولولا العربد تأكلها، وتفني كثيرا منها، لأخليت سجستان من أجل الحيات، وإبليس بسدّ يأجوج ومأجوج، فابتلي آدم بالحرث، والكسب، وحواء بالحيض، والحبل، والطلق، ونقصان العقل، وجعل الله قوائم الحية في جوفها، وجعل قوتها التراب، وجعل إبليس بأقبح صورة وأفضح حالة.
يذكر أن الحية كانت خادم آدم عليه السلام في الجنة، فخانته بأن مكنت عدوه من نفسها، وأظهرت العداوة له هناك، فلما أهبطوا تأكدت العداوة، فقيل لها: أنت عدو بني آدم، وهم أعداؤك، وحيث لقيك منهم أحد شدخ رأسك.
٣٧ - قيل: إنها أدخلت إبليس الجنة بين فكيها، ولو كانت تنذره ما تركها تدخل به، وقال إبليس: أنت في ذمتي، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقتلها ولو في الصلاة، والفاء في قوله:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ} للدلالة على أن التوبة، حصلت عقب الأمر بالهبوط قبل تحقق المأمور به، ومن ثمة قال القرطبي: إن آدم تاب، ثم هبط، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{اهْبِطُوا} ثانيا؛ ومنه يعرف أن الأمر بالهبوط ليس للاستخفاف، ومشوبا بنوع سخط، إذ لا سخط بعد التوبة، فآدم أهبط بعد أن تاب الله عليه، ومعنى تلقّي الكلمات: استقبالها بالأخذ، والقبول، والعمل بها حين علمها، فإن قلت: ما هن؟
قلت: هي قوله تعالى: {رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا} وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - إن أحب الكلام إلى الله تعالى، ما قال أبونا آدم حين اقترف الخطيئة، وهي: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، لا إله إلا أنت، ظلمت نفسي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. وتلقى من باب تفعّل الخماسي، وهو هنا بمعنى المجرد؛ أي: بمعنى: لقي آدم من ربه كلمات وأخذها. وقرأ الجمهور برفع آدم ونصب كلمات، والمعنى عليه: حفظ آدم، وألهم من ربه