للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اهبطوا حالة كونكم متعادين، يبغي بعضكم على بعض بتضليله، حال من (١) فاعل اهبطوا، استغنى فيها عن الواو بالضمير، والعدو يصلح للواحد والجمع، ولهذا لم يقل أعداء، فإبليس عدو لهما، وهما عدو لإبليس، والحية عدو لبني آدم، وهم عدوها، هي تلسعهم وهم يدمغونها، وإبليس يفتنهم وهم يلعنونه، وكذا العداوة بين ذرية آدم وحواء، بالتحاسد في الدنيا والاختلاف في الدين، والعداوة مع إبليس دينية، فلا ترتفع ما بقي الدين، والعداوة مع الحية طبيعية، فلا ترتفع ما بقى الطبع، ثم هذه عداوة تأكدت بيننا وبينهم، لكنّ حزبا يكون الله معهم كان الظفر لهم، ثم قوله: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} إخبار عن كونه؛ أي: التعادي لا أمر بتحصيله، ولما قال: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} قال آدم: الحمد لله، حيث لم يقل سبحانه: أنا لكم عدو. والعدو: هو المجاوز حده في مكروه صاحبه.

{وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ}؛ أي: موضع استقرار على وجهها بالإقامة فيها، أو في القبور. والمستقر ثلاثة:

الأول: رحم الأم. قال تعالى: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} أودع في صلب الأب، واستقر في رحم الأم.

والثاني: الدنيا قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ}.

والثالث: العقبى، إما في الجنة. قال تعالى: {أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} وإما في النار. قال تعالى: {إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقامًا} (٦٦) {وَمَتاعٌ}؛ أي: تمتع بنعيمها، وانتفاع به {إِلى حِينٍ}؛ أي: إلى وقت انقضاء آجالكم؛ يعني: إلى الموت.

والمعنى (٢): أي إن استقراركم في الأرض وتمتعكم فيها، ينتهيان إلى وقت محدد، وليسا بدائمين، كما زعم إبليس حين وسوس لآدم، وسمى الشجرة المنهي عنها شجرة الخلد، وفي هذا إشارة إلى أن الإخراج من جنة الراحة إلى الأرض؛ للعمل فيها، لا للفناء، ولا للمعاقبة بالحرمان من التمتع بخيراتها، ولا للخلود فيها.


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.