للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والرابع الحية. قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال كعب، ووهب: اهبطوا جملة، ونزلوا في بلاد متفرقة. وقال مقاتل: اهبطوا متفرقين، فهبط إبليس. قيل بالأبلّة، وحواء بجدة، وآدم بالهند. وقيل: بسرنديب بجبل يقال له واسم. وقيل: كان غذاؤه جوز الهند، وكان السحاب يمسح رأسه فأورث ولده الصلع، وهذا لا يصح، إذ لو كان كذلك لكان أولاده كلهم صلعا. وروي عن ابن عباس: أن الحية اهبطت بنصيبين. وروى الثعلبي: بأصبهان، والمسعودي: بسجستان، وهي أكثر بلاد الله حيات. وقيل: ببيسان. وقيل: لما نزل آدم بسرنديب من الهند، ومعه ريح الجنة، علق بشجرها وأوديتها، فامتلأ ما هناك طيبا، فمن ثم يؤتى بالطيب من ريح آدم عليه السلام. وذكر ابن الجوزي كيفية في إخراجه، قال:

وأدخل آدم في الجنة ضحوة، وأخرج منها بين الصلاتين، فمكث فيها نصف يوم، والنصف خمس مئة عام مما يعد أهل الدنيا، ولكن لا أصل له.

والأشبه أن قوله (١): {اهْبِطُوا} أمر تكليف؛ لأن فيه مشقة شديدة بسبب ما كانا فيه من الجنة، إلى مكان لا تحصل فيه المعيشة إلا بالمشقة. وقرأ الجمهور {اهْبِطُوا} بكسر الباء، وقرأ أبو حيوة {اهبطوا} بضم الباء، وهما لغتان. قال القرطبي (٢) في تفسيره: إن الصحيح في إهباطه وسكناه في الأرض، ما قد ظهر من الحكمة الأزلية في ذلك، وهي نثر نسله فيها ليكلفهم ويمتحنهم، ويرتب على ذلك ثوابهم وعقابهم الأخروي، إذ الجنة والنار ليستا بدار تكليف، فكانت تلك الأكلة سبب إهباطهما من الجنة فأخرجهما؛ لأنهما خلقا منها؛ وليكون آدم خليفة الله في الأرض، ولله أن يفعل ما يشاء، وقد قال: {إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} وهذه منقبة عظيمة، وفضيلة كريمة شريفة. انتهى كلام القرطبي. فهبوطه من الجنة هبوط التشريف، والامتحان، والتمييز بين قبضتي السعادة والشقاوة؛ لأن ذلك من مقتضيات الخلافة الإلهية، وأكثر المفسرين على أن المعنى: انزلوا استخفافا بكم، لكن القول ما قالت حذام. وجملة قوله: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}؛ أي:


(١) البحر المحيط.
(٢) القرطبي.