للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حيوة، وابن أبي عبلة أيضًا بفتح الياء مبنيًا للفاعل، ونصب العين؛ أي: سيهزم الله الجمع، وقرأ الجمهور {وَيُوَلُّونَ} بياء الغيبة، وأبو حيوة، وداود بن أبي سالم عن أبي عمرو بتاء الخطاب. والدبر هنا اسم جنس، وجاء في موضع آخر {لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ}. وهو الأصل، وحسن اسم الجنس هنا كونه فاصلةً، قال الزمخشري: وقرىء {ويولون الأدبار} بالجمع.

٤٦ - ثم بين أن هذا عذاب الدنيا، وسيلاقون يوم القيامة ما هو أشد منه نكالًا، فقال: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ}؛ أي (١): ليس هذا تمام عقوبتهم، بل القيامة موعد أصل عذابهم، وهذا من طلائعه. {السَّاعَةُ}؛ أي: القيامة إظهارها في موضع إضمارها لتربية تمويلها. {أَدْهَى}؛ أي: أعظم داهية، وفي أقصى غاية من الفظاعة. والداهية: الأمر الفظيع الذي لا يهتدى إلى الخلاص منه. {وَأَمَرُّ}؛ أي: أشد مرارة، وفي أقصى نهاية من المرارة.

وحاصله: إن موقف القيامة أهول من موقف بدر، وعذابها أشد وأعظم من عذابه؛ لأن عذاب الدنيا مثل الأسر، والقتل، والهزيمة، ونحوها أنموذج من عذاب الآخرة. كما أن نارها جزء من سبعين جزأ من نارها.

والمعنى (٢): أي إن ما سيلاقونه من العذاب في الدنيا من الهزيمة، والقتل، والأسر هين إذا ما قيس على ما سيلاقونه من العذاب في الآخرة، فإن ذا أشد وآلم. فهو عذاب خالد دائم، وسيأتي بعد وصف ما فيه من فظاعة ونكر.

روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال وهو في قبَّة له يوم بدر: "أنشدك عهدك، ووعدك، اللهم إن شئت لن تعبد بعد اليوم في الأرض أبدًا" فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده، وقال: حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك، فخرج وهو يثيب في الدرع، ويقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (٤٦)}.

٤٧ - {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ}؛ أي: إنّ المشركين من الأولين والآخرين {فِي ضَلَالٍ} وخطأ عن الحق في الدنيا {و} في {سُعُرٍ}؛ أي: نيران مسعرة في الآخرة، جمع سعير.


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.