للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{سَيَقُولُونَ} لك في الجواب {لِلَّهِ}؛ أي: لله سبحانه ملكوت كل شيء دون غيره، وهو الذي يجير ولا يجار عليه.

{قُلْ} لهم يا محمد على طريق التوبيخ والاستهجان {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}؛ أي: فكيف تخدعون، وتصرفون عن توحيد الله وطاعته مع علمكم به، فأنتم بعبادة الأصنام، أو بعض البشر قد سحرت عقولكم، كأنما غابت عن رشدها، واعتراها الذهول، فتصورت الأشياء على غير ما هي عليها، فإن من لا يكون مسحورًا مختلًا عقله، لا يكون كذلك، والخادع هو الشيطان، أو الهوى، أو كلاهما.

والمعنى: كيف يخيل لكم الحق باطلًا، والصحيح فاسدًا، والمراد بالسحر التخيل والتوهم، لا حقيقته. وقد ثبت بالتجربة أن تكرار الكلام يخدع العقول والحواس حتى تتخيل غير الحق حقًا، وتتوهم صدق ما يقال، وإن كان باطلًا، ومن ثم كثرت المذاهب الإِسلامية، وابتاع الرؤساء الدينيون والسياسيون من الأساليب والنظم ما خدعوا به عقول الشعوب في دينهم ودنياهم.

وقرأ أبو عمرو (١): {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} في الأخيرتين من غير لام جر مع رفع الجلالة، جوابًا على اللفظ، لقوله من؛ لأن المسؤول به مرفوع المحل، وهو من، فجاء جوابه مرفوعًا. وقرأ الباقون: {لِلَّهِ} باللام في الأخيرتين، وهو جواب على المعنى؛ لأن التقدير في الموضع الأول منهما: قل من له السماوات السبع والعرش، وفي الثاني: قل من له ملكوت كل شيء، فلام الجر مقدرة في السؤال، فظهرت في الجواب نظرًا للمعنى. وأما جواب السؤال الأول، فهو لله باللام، باتفاق السبعة؛ لأنها قد صرح بها في السؤال.

٩٠ - ثم بيّن سبحانه أنه قد بالغ في الاحتجاج عليهم، فقال: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ} وجئناهم على لسان رسولنا {بِالْحَقِّ}؛ أي: بالأمر الحق، الواضح، الذي يحق ويجب اتباعه، وهو التوحيد والوعد بالبعث. وقرىء: {بل أتيناهم} بتاء المتكلم، وابن أبي إسحاق بتاء الخطاب.


(١) المراح.