للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ}؛ أي: نائبة وشدة مما ذكر، وحلت بهم؛ أي: بشر الصابرين الذين إذا نزل بهم كرب أو بلاءً أو مكروه {قَالُوا} باللسان والقلب جمعًا، لا باللسان فقط، فإن التلفظ بذلك مع الجزع قبح وسخط للقضاء، وذلك بأن يتصور بقلبه ما خلق لأجله، وأنه راجع إلى ربه، ويتذكر نعم الله تعالى عليه؛ ليرى أن ما أبقى الله تعالى عليه أضعاف ما استرده منه، فهون عليه، ويستسلم {إِنَّا لِلَّهِ} ملكًا وخلقًا وعبدًا؛ أي: نحن عبد الله وأموالنا له، يفعل فينا ما يشاء، لا يسئل عما يفعل {وَإِنَّا إِلَيْهِ}؛ أي: إلى لقائه {رَاجِعُونَ} بالبعث والنشور بعد الموت، وإن لم نرض بقضائه لا يرضى منا أعمالنا. قال أبو بكر الوراق {إنَّا لله} إقرارٌ منا بالملك له تعالى {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} إقرار على أنفسنا بالهلاك.

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجُرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها .. إلا آجره الله في مصيبته واخلف له خيرًا منها" أخرجه مسلم. وعن عائشة رضي الله عنها: أن مصباح النبي - صلى الله عليه وسلم - طفىء فاسترجع، فقلت: إنما هو مصباح. فقال: "كل ما ساء المؤمن فهو مصيبة" رواه أبو داود في مراسله.

قيل: ما أعطي أحد مثل ما أعطيت هذه الأمة يعني الاسترجاع عند المصيبة، ولو أعطيه أحد لأعطي يعقوب عليه السلام، ألا تسمع إلى قوله عند فقد يوسف: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} قيل: وفي قول العبد {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}

١٥٧ - تفويض منه إلى الله وأنه راض بكل ما نزل به من المصائب {أُولَئِكَ} الصابرون المسترجعون عند المصيبة {عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ} ومغفرة {مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}؛ أي: نعمة وإنما جمع الصلوات للتنبيه على كثرتها وتنوعها؛ لأنه أراد مغفرة بعد مغفرة، والرحمة من الله إنعامه وإحسانه وإفضاله، وذكر الرحمة بعد الصلاة للتأكيد. وقيل: {عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ}؛ أي: مغفرة من ربهم في الدنيا، {وَرَحْمَةٌ}؛ أي: مغفرة من ربهم في الدنيا، ورحمة؛ أي: سلامة من العذاب في الآخرة {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} إلى الحق والصواب؛ حيث استرجعوا لمصيبتهم واستسلموا لقضاء الله تعالى، وقيل: المهتدون إلى الجنة الفائزون بالثواب.