للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بتلك المقالة، ويقول: حرامًا محرمًا عليك أن تغلب عليّ، وتزيل صفتي وكيفيتي.

واعلم: أن أكثر المفسرين حمل البحرين على بحري فارس والروم، فإنهما يلتقيان في البحر المحيط، وموضع التقائهما هو مجمع البحرين المذكور في الكهف، ولكن يلزم على هذا أن يكون البحر الأول عذبًا، والثاني ملحًا، مع أنهم قالوا: لا وجود للبحر العذب هناك، وذلك لأنهما في الأصل خليجان من المحيط، وهو مرّ، والأوجه أن يمثّل البحران بالنيل المبارك والبحر الأخضر، وهو بحر فارس الذي هو شعبة من البحر الهندي الذي يتصل بالبحر المحيط، وبحر فارس مر، وذلك أن بحر النيل يدخل في البحر الأخضر قبل أن يصل إلى بحيرة الزنج ويختلط به، وهو معنى المرج، ولولا اختلاطه بملوحته .. لما قدر أحد على شربه لشدة حلاوته كما في "إنسان العيون".

والمعنى: أي (١) ومن آثار نعمته على خلقه أن خلى البحرين متجاورين متلاصقين، وجعلهما لا يمتزجان، ومنع الملح من تغيير عذوبة العذب وإفساده إياه، وحجزه عنه بقدرته، فكأن بينهما حاجزًا يمنع أحدهما إفساد الآخر، وكأن بينهما ساترًا يجعله لا يبغي عليه.

والخلاصة (٢): أنه تعالى جعل البحرين مختلطين في مرأى العين، منفصلين في التحقيق بقدرته تعالى بحيث لا يختلط الملح بالعذب ولا العذب بالملح، ولا يتغير طعم أحدهما بالآخر ولا يفسده، ونحو الآية قوله تعالى في سورة الرحمن: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢١)}.

٥٤ - وخامس الأدلة: ما ذكره بقوله: {وَهُوَ} سبحانه وتعالى الإله {الَّذِي خَلَقَ} وأوجد {مِنَ الْمَاءِ}؛ أي (٣): من ماء الذكر والأنثى؛ وهو النطفة، أو من الماء الذي خمّر به طينة آدم عليه السلام {بَشَرا}؛ أي: آدميًا، والبشرة ظاهر


(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.