للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعدم استجابتهم دعوته، ثم ذكر قصص موسى عليه السلام ليكون في ذلك تسلية له، وليعلم أنه ليس ببدع في الرسل، وأن قومه ليسوا بأول الأمم عنادًا واستكبارًا، فقد أتى موسى بباهر المعجزات وعظيم الآيات، ولم يؤمن به من قومه إلا القليل، ولم يؤمن به من المصريين إلّا النذر اليسير .. أردف ذلك بقصص إبراهيم أبي الأنبياء، وخليل الرحمن؛ ليعلم أن حزنه لكفران قومه كان أشد، وآلامه كانت أمضى، فهو كان يرى أن أباه وقومه صائرون إلى النار، وهو ليس بمستطيع إنقاذهم، وقد أكثر حجاجهم حتى حجهم، ولم يجد ذلك فيهم شيئًا، بل ركنوا إلى التقليد بما ورثوه عن الآباء والأجداد، وقد أبان لهم أثناء حجاجه أن أصنامهم لا تغني عنهم شيئًا، فهي لا تسمع دعاءهم {وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ}، ولو سمعت لم تغن عنهم شيئًا، ثم ذكر لهم صفات الرب الذي ينبغي أن يعبد، وفصلها أتم التفصيل.

التفسير وأوجه القراءة

٣٨ - {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ}؛ أي: بعث فرعون الشرط في المدائن لجمع السحرة، فجمعوا وهم اثنان وسبعون، أو سبعون ألفًا كما يدل عليه كثرة الحبال والعصي التي خيلوها، وكان اجتماعهم بالإسكندرية على ما رواه الطبري. {لِمِيقَاتِ} وميعاد {يَوْمٍ مَعْلُومٍ} عندهم. والميقات (١): الوقت المضروب للشيء؛ أي: اجتمعت السحرة في الوقت الذي وقت به موسى، وعين لهم من ساعات يوم معين، وذلك الوقت وقت الضحى من يوم الزينة، وهو يوم عيد لهم، كانوا يتزينون ويجتمعون فيه كل سنة، روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه وافق يوم السبت في أول يوم من السنة؛ وهو يوم النيروز، وهو أول يوم من فرودين ماه، ومعنى نيروز بلغة القبط: طلع الماء؛ أي: علا ماء النيل، وبلغة العجم نوروز؛ أي: اليوم الجديد، وهو أول السنة المستأنفة عندهم.

وإنما وقت لهم موسى وقت الضحى من يوم الزينة في قوله: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ


(١) روح البيان.