للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والخلاصة (١): أنه عليه السلام استعظم نعمة الله عليه، فاستفهم هذا الاستفهام التعجبي المبني على السنن التي أجراها الله بين عباده، لا أنه استبعد ذلك على قدرة الله، فهو أجل من ذلك قدرًا، فإن الله تعالى قادر على أن يخلق بشرًا بغير أبوين، فكيف من شيخ عجوز فانٍ وعجوز عاقر، وقرأ الجمهور (٢): {الْقَانِطِينَ} بإثبات الألف، وقرأ يحيى بن وثاب وطلحة والأعمش ورويت عن أبي عمرو: {من القانطين} من قنط يقنط من باب فرح،

٥٦ - والاستفهام في قوله: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ} إنكاري؛ أي: قال إبراهيم للضيف لا يقنط ولا ييأس {مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}؛ أي: إلا المخطئون طريق المعرفة والصواب، فلا يعرفون سعة رحمته، وكمال علمه وقدرته، وغفل عن رجاء الله الذي لا يخيب من رجاه فضلَّ بذلك عن الرأي القيم، وهذا كقول يعقوب: {لَا يَايْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.

وخلاصة مقاله (٣): أنه نفى القنوط من نفسه على أتم وجه، فكأنه قال: ليس بي قنوط من رحمته تعالى، لكن حالي تنافي فيض تلك النعم الجليلة التي غمرني بها، وتوالي المكرمات التي شملت آل هذا البيت، وقرأ النحويان (٤) أبو عمرو والكسائي والأعمش: {ومن يَقْنِط} هنا وفي الروم والزمر بكسر النون من باب ضرب، وباقي السبعة بفتحها من باب فرح، وقرأ زيد بن علي والأشهب: بضمها من باب نصر.

٥٧ - وبعد أن تحقَّق عليه السلام مصداق هذه البشرى، ورأى أنهم أتوا مختفين على غير ما عهد عليه ملك الوحي، سألهم عن أمرهم، ليزول عنه الوجل، كما بينه الله سبحانه وتعالى {قَالَ} إبراهيم للضيف {فَمَا خَطْبُكُمْ}؛ أي: فما أمركم وشأنكم {أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} وما الذي جئتم به غير ما قد بشرتموني به، والاستفهام استخبار، والخطب الأمر الخطير، والشأن العظيم؛ أي: قال (٥) لهم: ما الأمر العظيم الذي جئتم لأجله سوى البشرى، وكأنه عليه السلام فهم من مجرى


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٤) البحر المحيط.
(٥) المراغي.