للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مبالاة بهما واستهزاء، وقصدوا ذهابهما حقيقة لجهلهم وجفائهم، وقسوة قلوبهم التي عبدوا بها العجل، وسألوا بها رؤية الله جهرة، والدليل عليه مقابلة ذهابهما بقعودهم. وقيل (١): أرادوا بالذهاب الإرادة والقصد. وقيل: أرادوا بالرب هارون، وكان أكبر من موسى بسنة، وكان موسى يطيعه {إنَّا هاهنَا قَعِدُون}؛ أي: لا نبرح قاعدين في هذا المكان، لا نتقدم معك ولا نتأخر عن هذا الموضع، وقيل: أرادوا بذلك عدم التقدم لا عدم التأخر.

والخلاصة (٢): أنَّهم أصروا على العناد والتمرد، ولم تغن عنهم عظات الرجلين شيئًا، فأكدوا لموسى أنَّهم لا يدخلون هذه الأرض مدى حياتهم ما دام فيها الجبارون؛ لأنهم لا طاقة لهم بالحرب والقتال، إذ ليسوا من أهله، فإنْ صحت عزيمتك على ذلك .. فاذهب أنت ربك الذي أمرك بذلك، فقاتلا الجبارين، وأخرجاهم من هذه الأرض، وإنَّا ها هنا قاعدون منتظرون. وهذا القول الذي صدر منهم يدل علي منتهى الجفاء والبعد عن الأدب، وليس هذا بالغريب من أمثال هؤلاء الذين عبدوا العجل، وكان دأبهم الشغب مع أنبيائهم، وقتلوا كثيرًا منهم، كأشعيا وزكريا، وقص القرآن كثيرًا من فساد طباعهم، وقسوتهم وغلظهم.

٢٥ - {قالَ} موسى عليه السلام لما رأى منهم عنادًا وتمردًا على طريق الحزن والشكوى إلى الله تعالى، معتذرًا من فسق قومه عن أمره الذي يبلغه عنه {رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ} أمر أحد أحمله على طاعتك {إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي} وقرأ الحسن بفتح الياء فيهما؛ أي: إلا أمر نفسي وأمر أخي، ولا أثق بغيرنا أن يطيعك في اليسر والعسر والمنشط والمكره والمحبوب والمكروه.

وفي هذا إيماء إلى أنَّه لم يكن موقنًا بثبات يوشع وكالب، ورغبتهما في الطاعة، إذ أمر الله بدخول أرض الجبارين، والتصدي لقتالهم، فإن من يجرؤ على القتال مع الجيش الكبير .. ربما لا يجرؤ عليه مع العدد القليل {فَاَفْرق


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.