يدي الرب تعالى، فيقول الله تعالى للإيمان: انطلق أنت وأهلك إلى الجنة، ويقول للشرك: انطلق أنت وأهلك إلى النار"، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} إلى قوله: {في النار}.
ويقال: لا إله إلا الله مفتاح الجنة، ولا بد للمفتاح من أسنان حتى يفتح الباب، ومن أسنانه لسان ذاكر طاهر من الكذب والغيبة، وقلب خاشع طاهر من الحسد والخيانة، وبطن طاهر من الحرام والشبهة، وجوارح مشغولة بالخدمة طاهرة من المعاصي.
٩١ - ولما فرغ سبحانه من بيان أحوال المبدأ والمعاد أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لهم:{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ}؛ أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: إنما أمرت أن أخص الله سبحانه بالعبادة وحده لا شريك له، تنبيهًا لهم إلى أنه قد تم أمر الدعوة بما لا مزيد عليه، ولم يبق له بعد ذلك شأن سوى الاشتغال بعبادة الله، والاستغراق في مراقبته، غير مبال بهم ضلوا أو رشدوا، وأشار إليها إشارة تعظيم لأنها موطن نبيِّه ومهبط وحيه.
والمراد بالبلدة مكة المشرفة، وإنما خصها من بين سائر البلاد لكون بيت الله الحرام فيها، ولكونها أحب البلاد إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - قال في "التكملة": خص البلدة بالذكر، وهي مكة، وإن كان رب البلاد كلها ليعرف المشركون نعمته عليهم، وأن الذي ينبغي لهم أن يعبدوه، هو الذي حرَّم بلدتهم. انتهى.
وعبارة "الخازن": وإنما ذكر أنه هو الذي حرمها؛ لأن العرب كانوا معترفين بفضيلة مكة، وأن تحريمها من الله، لا من الأصنام. انتهى.
والموصول في قوله:{الَّذِي حَرَّمَهَا}؛ أي: حرم هذه البلدة وشرفها وعظمها بتحريمه على خلقه أن يسفكوا فيها دمًا، ويظلموا فيها أحدًا، صفة للرب، هكذا قرأ الجمهور، وقرأ ابن عباس، وابن مسعود التي حرمها على أن الموصول صفة للبلدة، والتعرض لتحريمه تعالى إياها إجلال لها بعد إجلال، ومعنى تحريمها جعلها حرمًا آمنًا لا يسفك فيها دم، ولا يظلم فيها أحد، ولا يصطاد صيدها، ولا يختلى خلاها.