للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

منتهى ما تسمو إليه نفوسهم، وتطمح إليها عقولهم، ثم تتلو ذلك على قومك، فإنزاله عليك ليس عن ميعاد، وكونك نبيًا ليس عن تطلب سابق منك، ولكن أنزل إليك القرآن، وجعلك نبيًا لأجل الترحم من ربك.

ثم بيَّن ما يجب أن يعمله كفاء هذه النعم المتظاهرة، فقال: {لَا تَكُونَنَّ} يا محمد {ظَهِيرًا} أي: معينًا {لِلْكَافِرِينَ} على دينهم بمداراتهم، والتجمل معهم، والإجابة إلى طلبتهم، وذلك حين دعوه إلى دين آبائه، فذكره بنعمه عليه، ونهاه عن مظاهرتهم على ما هم عليه، وقيل: هو تعريض بغيره من الأمة.

والمعنى (١): أي فأحمد ربك على ما أنعم به عليك بإنزاله الكتاب إليك، ولا تكونن عونًا لمن كفروا به، ولكن فارقهم ونابذهم.

٨٧ - ثم شدد عزمه وقواه بأن لا يأبه بمخالفتهم، فقال: {وَلَا يَصُدُّنَّكَ}؛ أي: لا يصرفنك ويمنعنك الكافرون {عَنْ آيَاتِ اللَّهِ}؛ أي: عن قراءتها، والعمل بها {بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ} تلك الآيات القرآنية {إِلَيْكَ} وقرئت عليك، وذلك حين دعوه - صلى الله عليه وسلم - إلى دين آبائهم، وتعظيم أوثانهم، والموافقة إلى أباطيلهم؛ أي: ولا تبال بهم، ولا تهتم بمخالفتهم لك، وصدهم الناس عن طريقتك، فإن الله معك، ومؤيدك، ومظهر دينك وما أرسلك به على سائر الأديان.

قرأ الجمهور (٢): بفتح الياء وضم الصاد من صده يصده، وشددوا النون، ويعقوب كذلك، إلا أنه خففها، وقرىء: {يصدنك} بضم الياء وكسر الصاد، من أصده بمعنى صده، حكاه أبو زيد عن رجل من كلب. وقال الشاعر:

أُنَاسٌ أَصَدُّوْا النَّاسَ بِالْسَّيْفِ عَنْهُمُ ... صُدُوْدَ السَّوَاقِيْ عَنْ أُنُوْفِ الْحَوَائِمِ

ثم أمره أن يصدع بالدعوة، ولا يألوا جهدًا في تبليغ الرسالة. فقال: {وَادْعُ} الناس كافة {إِلَى رَبِّكَ}؛ أي: إلى توحيده، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه؛ أي: وبلغ رسالة ربك إلى من أرسلك إليهم، واعبده وحده لا شريك له {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} بمساعدتهم في الأمور، وفيه تعريض بغيره، كما


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.