للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى (١): وأوحيَ إليَّ أنه لما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعبد الله، ويذكره ببطن نخلة في صلاة الصبح كاد الجنّ، وقربوا يكونون جماعات متراكمات بعضها فوق بعض تعجّبًا مما شاهدوا من عبادته، وسمعوا من قراءته واقتداء أصحابه به قيامًا وركوعًا وسجودًا، إذ رأوا ما لم يروا مثله قطّ، وسمعوا ما لم يسمعوا مثله. وقال الحسن وقتادة: إنّه لما قام عبد الله بالرسالة يدعو الله وحده مخالفًا للمشركين في عبادتهم الأوثان كاد الكفّار لتظاهرهم عليه وتعاونهم على عداوته يزدحمون متراكمين جماعات جماعات.

فإن قلت: (٢) لِمَ قيل: {عَبْدُ اللَّهِ} وهلّا قيل: رسول الله أو النبي؟

قلتُ: لأن تقديره: وأوحي إليَّ أنه لما قام عبد الله، فلما كان واقعًا في كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نفسه جيء به على ما يقتضيه التواضع والتذلل.

٢٠ - قال مقاتل: إن كفار مكة قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إنك جئت بأمر عظيم، وقد عاديت الناس كلّهم، فأرجع عن هذا، فأنزل الله قوله: {قُلْ} يا محمَّد {إِنَّمَا أَدْعُو} وأعبد {رَبِّي} ومالك أمري {وَلَا أُشْرِكُ بِهِ} أي: بربّي في العبادة {أَحَدًا} فليس ذلك ببدع، فلا مستنكر يوجب التعجب أو الإطباق على عدواتي، وهذا حالي فليكن حالكم أيضًا كذلك. وقرأ الجمهور {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي}؛ أي: قال عبد الله: إنما أدعو ربي وأعبده ولا أشرك به أحدًا من خلقه".

أي: قال للمتظاهرين عليه من الكفّار: إنما أدعو ربي، أي: لم آتِكم بأمر ينكر إنما أدعو ربي وحده، وليس ذلك مما يوجب إطباقكم على عدواتي، أو قال للجن عند ازدحامهم متعجبين ليس ما ترون من عبادة الله أمرًا يتعجّب منه، إنما يتعجب ممن يعبد غيره تعالى، أو قال الجن لقومهم ذلك حكاية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا كله مرتب على الخلاف في عود الضمير في {كادوا}. وقرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو بخلاف عنه {قُلْ}؛ أي: قل يا محمد لهؤلاء المزدحمين عليك وهم إما الجن، وإما المشركون على اختلاف القولين في ضمير {كَادُوا}.

٢١ - ثم بين أنه لا يملك من الأمر شيئًا فهو لا يستطيع هدايتهم ولا جلب الخير لهم، فقال: {قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين: {إِنِّي لَا أَمْلِكُ}؛ أي: لا أستطيع


(١) المراغي.
(٢) الكشاف.