للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بكسرها، ثم حكم عليهم بقوله: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ}؛ أي: فلا نجعل لأولئك الموصوفين بما مر من حبوط الأعمال {يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} وقدرًا؛ أي (١): فنزدري بهم، ولا نجعل لهم مقدارًا واعتبارًا، لأن مداره الأعمال الصالحة، وقد حبطت بالمرة، ولما كان هذا الازدراء من عواقب حبوط الأعمال .. عطف عليه بطريق التفريع، وأما ما هو من أجزية الكفر، فسيجيء بعد ذلك.

والمعنى (٢): أن هؤلاء الأخسرين أعمالاً، هم الذين كفروا بالدلائل المنبثة في الآفاق والأنفس، التي تدعو إلى توحيده، وكفروا بالبعث والحساب، وما يتبع ذلك من أمور الآخرة، ومن ثم حبطت أعمالهم، فلم يكن لها ثواب ينفع أصحابها، بل لهم منها عذاب وخزي طويل، ولا تثقل بها موازينهم؛ لأن الموازين إنما تثقل بالأعمال الصالحة، وليس لهم منها شيء.

وقرأ الجمهور (٣): {فَلَا نُقِيمُ} بالنون {وَزْنًا} بالنصب، ومجاهد، وعبيد بن عمير {فَلَا نُقِيمُ} بالياء لتقدم قوله {بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} وعن عبيد أيضًا {يقوم} بفتح الياء كأنه جعل قام متعدياً، وعن مجاهد، وابن محيصن، ويعقوب بخلاف عنهم {فلا يقوم} مضارع قام {وزنٌ} مرفوع به وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة" وقال: "اقرؤوا - إن شئتم -: فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا" متفق عليه.

١٠٦ - ثم بيَّن مآلهم بسبب كفرهم، وسائر معاصيهم إثر بيان أعمالهم المحبطة بذلك الكفر فقال: {ذَلِكَ} إشارة (٤) إلى ما ذكر، من حبوط أعمالهم، وخسة قدرهم عند الله، فاسم الإشارة خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: الأمر ذلك؛ أي: أمر هؤلاء المذكورين، وشأنهم ذلك الذي ذكرناه، وقوله: {جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ} جملة مستأنفة مسوقة لبيان جزائهم؛ أي: جزاء هؤلاء المذكورين نار جهنم، وقيل:


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٤) الخازن.