وتأخير الإيمان عن إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة - مع كونهما من الفروع المرتبة عليه - لما أنهم كانوا معترفين بوجوبهما مع ارتكابهم تكذيب بعض الرسل عليهم الصلاة والسلام اهـ "كرخي". وقرأ الحسن:{برسلي} بسكون السين في جميع القرآن. {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ}؛ أي: نصرتموهم بالسيف على الأعداء، معظمين لهم، بأن تدافعوا أعداءهم عنهم. وقرأ عاصم الجحدري:{وَعَزَّرْتُمُوهُمْ}. خفيفة الزاي. وقرأ في الفتح:{وتعزروه} بفتح التاء وسكون العين وضم الزاي ومصدره: العَزْر. {وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}؛ أي: قرضًا مخلصًا لوجه الله تعالى، والمراد بهذا الإقراض الصدقات المندوبة، وخصها بالذكر تنبيهًا على شرفها وفضلها؛ أي: وبذلتم من المال زيادة على ما أوجبه الله عليكم بالزكاة، فكنتم بذلك بمثابة من أقرض ماله لغني ملىء وفي، لا يضيع عليه بل يجده أمامه عند شدة الحاجة إليه، وهذه الجمل كلها شرطية، فالشرط مركب من خمسة أمور وهي قوله:{لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} وجواب الشرط قوله: {لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}؛ أي: وعزتي وجلالي لئن فعلتم هذه المذكورات كلها .. لأزيلن عنكم بتلك الحسنات تأثير سيئاتكم التي سلفت منكم في نفوسكم، فلا يبقى فيها رجس، ولا خبث يقتضي العقاب، فإنَّ الحسنات يذهبن السيئات كما يغسل الماء الأدران والأوساخ {وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}؛ أي: ولأدخلنكم تلك الجنات التي لا يدخلها إلا من كان طاهرًا من الشرك، وما يتبعه من المعاصي والآثام التي تفسد الفطرة {فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ}؛ أي: فمن جحد منكم شيئًا مما أمرتكم به، فتركه، أو عمل شيئًا مما نهيته عنه بعد أخذ الميثاق بالوفاء لي بطاعتي واجتنابه معصيتي {فَقَدْ ضَلَّ} وأخطأ {سَوَاءَ السَّبِيلِ}؛ أي: الطريق الواضح المستوي المستقيم، الذي يوصل سالكه إلى إصلاح قلبه، وتزكية نفسه، ويجعله أهلًا لجوار ربه في تلك الجنات.
١٣ - ثم بين أنهم لم يوفوا بهذا العهد فجازاهم على سوء صنيعهم فقال:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ}؛ أي: فبسبب نقضهم ورميهم وغدرهم الميثاق الذي أخذ عليهم بتكذيب الرسل، وقتل الأنبياء، وكتمان صفة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، ومن ذلك الميثاق