للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الإيمان بمن يرسل إليهم من الرسل ونصرهم وتبجيلهم وتعظيمهم {لَعَنَّاهُمْ} وطردناهم وأبعدناهم من رحمتنا. {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}؛ أي: جافية منصرفة عن الانقياد للدلائل، وقيل: يابسة غليظة لا تلين لقبول الحق، وقيل منكرة لا تقبل الوعظ، وكل هذا متقارب، وقسوة القلب غلظه وصلابته.

وقرأ الجمهور من السبعة (١): {قَاسِيَةً} اسم فاعل من قسا يقسو، وقرأ عبد الله وحمزة الكسائي: {قَاسِيَةً} بغير ألف وبتشديد الياء، وهي فعلية للمبالغة، كشاهد وشهيد، وقيل معنى قسية على هذه القراءة رديئة يابسة. وقرأ الهيصم بن شراخ {قسية} بضم القاف وتشديد الياء كجي، وقرىء بكسر القاف إتباعًا؛ أي: (٢) استحقوا مقتًا وغضبًا وبعدًا من ألطافنا، فإن نقض الميثاق أفسد قطرتهم، ودنس نفوسهم، وقسى قلوبهم، حتى قتلوا الأنبياء بغير حق، وافتروا على مريم وأهانوا ولدها الذي أرسل إليهم لإصلاح ما فسد من عقائدهم وأخلاقهم، وحاولوا قتله، وافتخروا بذلك، فبكل ذلك بعدوا عن رحمة الله تعالى، إذ جرت سنته أن الأعمال السيئة تؤثر في النفوس آثارًا سيئة، فتجعل القلوب قاسية لا تؤثر فيها الحجة والموعظة، ومن ثم تستحق مقت الله وغضبه والبعد من فضله ورحمته، وما مثل هذا إلا مثل من يهمل العناية بنفسه، ولا يراعي القوانين الصحية، فهو لا شك سيصاد بالأمراض والأسقام، ولا يلومن حينئذ إلا نفسه إذ كان هو السبب في ذلك بإهماله رعاية نفسه حالة كونهم {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ}؛ أي: يغيرون كلام الله الذي أنزل في التوراة وحكمه الذي شرع لهم فيها {عَنْ مَوَاضِعِهِ}؛ أي: عن حاله التي نزلت عليها؛ أي: يغيرون ما شق عليهم من أحكامها، كآية الرجم، بدلوها لرؤسائهم بالتحميم - وهو تسويد الوجه بالفحم - وغيروا أيضًا نعت محمَّد - صلى الله عليه وسلم - التي نزلت في التوراة تلبيسًا على سفلتهم؛ أي: أزالوا صفته المكتوبة في التوراة، وكتبوا مكانها صفة أخرى، فغيروا المعنى والألفاظ، فتحريف الكلم عن مواضعه يكون إما بتحريف الألفاظ بالتقديم والتأخير والزيادة والنقصان، وإمَّا بتحريف المعاني، يحمل الألفاظ على غير ما


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.