للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وضعت له، وكل منهما قد وقع في التوراة وغيرها من كتبهم، كما هو معلوم واضح لمن اطلع على التوراة.

وقرأ الجمهور: {الْكَلِمَ} بفتح الكاف وكسر اللام وقرأ أبو عبد الرحمن والنخعي: {الكلام} بالألف وقرأ أبو رجاء {الكلم} بكسر الكاف وسكون اللام. وهذه الجملة (١) وما بعدها جاءت بيانًا لقسوة قلوبهم، ولا قسوة أشد من الافتراء على الله تعالى، وتغيير وحيه {وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}؛ أي: تركوا بعضًا مما أمروا به في كتابهم، وهو الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وهذا (٢) أيضًا من قسوة قلوبهم، وسوء فعلهم بأنفسهم، حيث ذكروا بشيء فنسوه. وتركوه، وهذا الحظ هو من الميثاق المأخوذ عليهم {وَلَا تَزَالُ} يا محمَّد {تَطَّلِعُ} وتقف وتظهر {عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ}؛ أي: على خيانة من اليهود، فالخائنة مصدر بمعنى الخيانة كالقائلة بمعنى القيلولة، والخاطئة بمعنى الخطيئة، ويدل على ذلك قراءة الأعمش: {على خيانة} أو اسم فاعل، والهاء للمبالغة، كرواية؛ أي: خائن أو صفة لمؤنث؛ أي: قرية خائنة أو فعلة أو نفس خائنة.

أي: إنك يا محمَّد لا تزال تطلع من هؤلاء اليهود على خيانة إثر خيانة، فلا تظنن أنك أمنت كيدهم بتأمينك إياهم على أنفسهم، فهم قوم لا وفاء لهم، ولا أمان، فمن نقض عهد الله وميثاقه .. فكيف يرجى منه وفاء؟! وكيف تكون منه أمانة؟! فهذه عادتهم وديدنهم معك، وهم على ما كان أسلافهم من خيانة الرسل، وقتلهم الأنبياء، فهم لا يزالون يخونونك وينكثون عهودك، ويظاهرون عليك أعداءك، ويهمون بالفتك منك وأن يسموك، وقوله: {إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} استثناء من الضمير في منهم، وهم الذين آمنوا كعبد الله بن سلام وأصحابه ممن أسلموا وصدقوا الله ورسوله، فلا تظنن بهم سوءًا ولا تخف منهم خيانة ولا خديعة، أو هم الذين بقوا على الكفر لكنهم بقوا على العهد ولم يخونوا فيه.

{فَاعْفُ عَنْهُمْ}؛ أي: سامح عما فرطوا في حقك ولا تعاقبهم {وَاصْفَحْ}؛


(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.