للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: أعرض عن زلاتهم ولا تلتفت إليها ما داموا باقين على العهد. {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {يُحِبُّ} ويثيب {الْمُحْسِنِينَ} إلى الناس بالعفو والصفح عن زلاتهم وهفواتهم. قيل: (١) هذا منسوخ بآية السيف، وقيل: خاص بالمعاهدين؛ أي: فاعف (٢) عما فرط من هؤلاء القليل، واصفح عمن أساء منهم، وعاملهم بالإحسان الذي يحبه الله تعالى، فأنت أحق الناس باتباع ما يحبه الله ويرضاه، وهذا رأي أبي مسلم. وقال غيره: فاعف عن هؤلاء اليهود الذين هموا أن يبسطوا أيديهم إليك وإلى أصحابك بالقتل، واصفح لهم عن جرمهم، فإني أحب من أحسن العفو والصفح، إلى من أساء إليه إيثارًا للإحسان والفضل على ما يقتضيه العدل.

وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رغب - عند ما دخل المدينة - في مصالحة اليهود وموادعتهم، فعقد معهم العهد على أن لا يحاربوه ولا يظاهروا من يحاربه، ولا يمالئوا عليه عدوًّا له، وأن يكونوا آمنين على أنفسهم وأموالهم وحريتهم، وكان إذ ذاك منهم ثلاث طوائف حول المدينة، وهم بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، فنقضوا العهد، وهموا بقتل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فحل له قتالهم، ولكنه رجح السلم على الحرب، واكتفى بطردهم من جواره، وبعث إليهم أن اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني، وقد أجلتكم عشرًا، فمن وجدته بها بعد ذلك .. ضربت عنقه فأقاموا يتجهزون أيامًا، ثم ثبط عزيمتهم عبد الله بن أبي، وأرسل إليهم أن لا تخافوا، إن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم فيموتون دونكم، وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان، وكان رئيسهم المطاع حيي بن أخطب شديد العدواة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي زين لهم قتله والغدر له، فركن إلى قول ابن أبيّ، وبعث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنا لن نخرج من المدينة فافعل ما بدا لك.

فعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم يريدون الحرب، فخرج هو والمسلمون للقائهم، يحمل لواءه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلما وصلوا إليهم أقاموا على حصونهم


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.