وهي قصة الغرانيق. وقد سئل الإمام محمد بن إسحاق جامع السيرة النبوية عن قصة الغرانيق؟ فقال: هذا من وضع الزنادقة، وصنف في ذلك كتابًا. وقال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل. وقال ما معناه إن رواتها مطعون عليهم، وليس في "الصحاح"، ولا في التصانيف الحديثة شيء مما ذكروه، فوجب اطراحه، ولذلك نزهت كتابي عن ذكره فيه. والعجب من نقل هذا، وهم يتلون في كتاب الله تعالى {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)} الآيات.
وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: إن هذه القصة من وضع الزنادقة. وقال الحافظ ابن كثير: وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق، ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح.
{وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {عَلِيمٌ} بما أوحى إليه، وبما ألقى الشيطان {حَكِيمٌ}؛ أي: ذو الحكمة البالغة في تمكينه من ذلك الإلقاء، يفعل ما يشاء ليميز به الثابت على الإيمان من المتزلزل فيه؛ أي: والله عليم بكل شيء، ومن ذلك ما يصدر عن الشيطان وأوليائه، فيجازيهم عليه أشد الجزاء. حكيم في أفعاله، ومن ذلك أن يمكن الشيطان من إلقاء الشبهات، ليحاج أولياءه بها، فيتمكن المؤمنون من ردها، ودحض المفتريات التي يتشدقون بها، ويرجع الحق إلى نصابه، فتظهر الحقيقة ناصعة بيضاء، من بين تلك الظلمات، فتمحو الظلام الذي كان عالقًا بنفوس الذين في قلوبهم مرض، وتضيء آفاق العقول السليمة، وتهديهم إلى طريق الرشاد.
٥٣ - وإلى الفريقين أشار بقوله:
١ - {لِيَجْعَلَ} وهذه الجملة علة للإلقاء؛ أي: ذلك الإلقاء من الشيطان لكي يجعل سبحانه وتعالى {مَا يُلْقِي}{الشَّيْطَانُ} في قلوب أوليائه من تلك الشبهات {فِتْنَةً} واختبارًا {لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أي: شك ونفاق؛ لأنه مرض قلبي، مؤد إلى الهلاك الروحاني. كما أن المرض القلبي مؤد إلى الهلاك الجسماني. {و} فتنة لـ {الْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ}؛ أي: فتنة للذين قست قلوبهم، وغلظت عن قبول التوحيد، وهم المشركون؛ لأن قلوبهم لا تلين للحق أبدًا، ولا ترجع إلى