النافع، فلا يهدأ للزارع بالٌ حتى يزيلها، ويوفر غذاءها للنبات الذي هو في أشد الحاجة إليه.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فإنك الآن لترى أهل أوربا يرسلون الجيوش، والمبشرين من القساوسة، التي تفتح المدارس في بلاد الشرق وغيرها، ويقولون: للمسلمين إن دينهم محشو بالخرافات، والأكاذيب، ويشككون فيه من تعلموا في تلك المدارس، ويصدق بعض غوغائهم تلك الأباطيل، حتى لقد قيل: إن هذا الدين لا يعيش في ظل العلم، ولا يقبل الأفكار والآراء، وهو والعلم عدوان لا يجتمعان.
ومما جعل لهم بعض المعذرة فيما يقولون: حال المسلمين من الخمول، وسوء الأحوال، وقبيح المعتقدات والأعمال، مما جعلهم مضغة في أفواه الأمم المتمدنة. {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}.
وإن الله لينسخ تلك الوساوس ويزيل هذه الأوهام، فقد تصدى كثير من ذوي المعرفة لدحض تلك المفتريات، فقام العالم الحكيم محمد عبده، وألف كتابه "الإسلام والنصرانية" ودفع كثيرًا من مطعان أولئك المبشرين. وقام بعده كثير من أهل الفقه بالدين، فاحتذوا حذوه، وواصلوا الليل بالنهار، في دحض تلك الشبه، وان الله لناصر دينه ولو كره الكافرون.
هذا وقد دس (١) بعض الزنادقة في تفسير هذه الآية أحاديث مكذوبة، لم ترد في كتاب من كتب السنة "الصحيحة" وأصول الدين تكذبها، والعقل السليم يرشد إلى بطلانها. وأنها ليست من الحق في شيء، وهي مما تشكك المسلمين في دينهم وتجعلهم في حيرة من أمر الوحي، وكلام الرسول، فيجب على العلماء طرحها وراءهم ظهريًا. وأن لا يضيعوا الزمن في تأويلها وتخريجها، وأن لا يسرفوا الأوراق والحبر في كتابتها ولا سيما بعد أن نص الثقات من المحدثين على وضعها وكذبها، لمصادمتها لأصول الدين التي لا تقبل شكًا ولا امتراء.