للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالوجه الذات؛ أي: يَخْلُ (١) لكم وجه أبيكم من شغله بيُوسُفَ، فيكن كل توجهه إليكم، وكُل إقباله عليكم بعد أن تخلو الديار ممن يَشْغَلُهُ عنكم ويشارككم في عطفه وحبه، {وَتَكُونُوا} بالجزم عطفًا على يخل {مِنْ بَعْدِهِ} أي من بعد الفراغ من أمره؛ أي: وتكونوا من بعد قتله أو تغريبه في أرض بعيدة {قَوْمًا صَالِحِينَ} صَلُحَتْ حالكم عند أبيكم، أو تائبين إلى الله مما جئتم به، مُصْلِحِين لأعمالكم، بما يكفر إثمها مع عدم التصدِّي لمثلها، وبذا يَرْضَى عنكم أبوكم، ويرضى عنكم ربكم.

١٠ - {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ}؛ أي: من إخوة يوسف، وهو يهوذا. وقال قتادة: هو روبيل، وهو ابن خالته، وكَانَ أكْبَرُهُم سِنًّا، وأحسنهم رَأْيًا فيه. {لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} نهاهم عن قتله، وقال: القتل كبيرة عظيمة، والأصح أنَّ قائلَ هذه المقالة هو: يهوذا؛ لأنه كان أقربهم إليه سِنًّا. {وَأَلْقُوهُ}؛ أي: اطرحوا يُوسُفَ {فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ}؛ أي: في أسفل الجب، والبئر، وقعرها، وظلمتها، والغيَابَةُ: كل موضع سَتَرَ شَيْئًا، وغَيَّبَهُ عن النظر، والجُبُّ: البئرُ الكبيرة غير مطوية بالحجارة. سُمِّيَ بذلك, لأنه جُبَّ: أي: قطع، ولم يطو، وغيابته: ما يغيب عن رؤية البصر من قعره. وأفاد ذكر الغيابةَ مع ذكر الجب أن المشيرَ أشار بطرحه في موضع من الجبِّ مظلم لا يراه أحد. وقرأ (٢) الجمهور: {غَيابة} على الإفراد، ونافع: {غيابات} على الجمع، وابن هرمز: {غَيَّابَاتٍ} بالتشديد والجمع؛ وقرأ الحسن: (في غَيبَةِ) على صيغة المصدر. واختلفوا (٣) في مكان ذلك الجب. فقال قتادة هو: بئرُ بيت المقدس، وقال وهب: هو في أرض الأُردن على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب، وقيل: بين مدين، ومصر، وإنما عَيَّنوا ذلك الجُبِّ للعلةِ التي ذكروها، وهي قولهم: {يَلْتَقِطْهُ}. وقرأ الحسن، ومجاهد، وقتادة، وأبو رجاء: {تلتقطه} بتاء التأنيث أنث على المعنى؛ أي: تأخذه على وجه الصيانة من الضياع والتلف. فإن الالتقاط أخذ شيء مشرف على الضياع. {بَعْضُ


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الخازن.