مطلقًا، فيلزم منه بقاء الموصول بلا عائد، أو خبر محذوف، أو مفعوله، مثل: هو، أو أعني، وقيل (١): {أن} مفسرة للهاء الراجع للقول المأمور به، والمعنى: ما قلت لهم في الدنيا إلا قولًا أمرتني به، وذلك القول هو أن أقول لهم: اعبدوا الله ربي وربكم؛ أي: وحدوه ولا تشركوا به شيئًا.
والخلاصة: أني ما قلت لهم في شأن الإيمان وأساس الدين إلا ما أمرتني بالتزامه اعتقادًا وتبليغًا لهم بأنك ربي وربهم، وأنني عبد من عبادك مثلهم إلا أنك خصصتني بالرسالة إليهم.
{وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}؛ أي: وكنت قائمًا عليهم مراقبًا لهم أراقبهم وأمنعهم أن يقولوا ذلك ويعتقدوه، أو مشاهدًا لأحوالهم من كفر وإيمان، أشهد على ما يقولون وما يفعلون، فأُقر الحق وأُنكر الباطل {مَا دُمْتُ فِيهِمْ}؛ أي: مدة دوامي ووجودي بينهم {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي}؛ أي: رفعتني من بينهم إلى السماء، فالمراد: وفاة الرفع لا وفاة الموت، وقال الحسن: الوفاة: وفاة الموت، ووفاة النوم، ووفاة الرفع. {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ}؛ أي: كنت أنت الحفيظ عليهم المراقب لأعمالهم وأحوالهم {وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} دوني؛ لأني إنما شهدت من أعمالهم ما عملوه وأنا بين أظهرهم، وأنت تشهد على كل شيء؛ إذ لا يخفى عليك شيء، فالرقيب: الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء، والشهيد: العالم الذي لا يعزب عن علمه شيء، وفي هذا إيماء إلى أن الله سبحانه وتعالى إنما عرّفه بقوله:{أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ} أفعال القوم ومقالتهم بعد ما قبضه إليه. وقد تقدَّم في هذه السورة ما يثبت براءة عيسى عليه السلام من مثل هذه المقالة، وذلك قوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (٧٢)}.
١١٨ - ثم فوَّض عليه السلام أمر الجزاء إليه تعالى فقال:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ}؛ أي: إن