قد دنا الفراق، وحان المنقلب إلى الله، وإلى سدرة المنتهى، وإلى جنة المأوى، يغسلني رجال أهل بيتي، ويكفنونني في ثيابي هذه إن شاؤوا، أو في حلة يمانية، فإذا غسلوني، وكفّنوني، ضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير لحدي، ثم اخرجوا عني ساعةً، فأول من يصلي عليّ حبيبي جبرائيل، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل، ثم ملك الموت، مع جنودهم، ثم ادخلوا على فوجاً فوجاً، وصلّوا عليّ" فلما سمعوا فراقه صاحوا وبكوا وقالوا: يا رسول الله أنت نور ربنا، وشمع جمعنا، وسلطان أمرنا، إذا ذهبت عنا إلى من نرجع في أمورنا؟ قال: "تركتكم على المحجّة البيضاء - أي الطريق الواسع الواضح - ليلها كنهارها - في الوضوح - وتركت لكم واعظين، ناطقًا وصامتًا: فالناطق القرآن، والصامت الموت، فإذا أشكل عليكم أمر فارجعوا إلى القرآن والسنة، وإذا قست قلوبكم فلينوها بالاعتبار في أحوال الموت".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "من تعلم القرآن في صغره اختلط القرآن بلحمه ودمه، ومن تعلمه في كبره فهو يتفلت منه، ولا يتركه، فله أجره مرتين" وجه الأول أنه في الصغر خال عن الشواغل، وما صادف قلبًا خاليًا يتمكن فيه، قال الشاعر:
ويدخل في الثاني من له حصر، أو عيّ؛ لأن من قرأ القرآن وهو عليه سياق، فله أجران: أجر لقراءته، وأجر لمشقته. كذا في "شرح المصابيح".
١١ - ثم حذّرهم وأوعدهم ما جرى على الأمم المكذبة فقال:{وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} كم خبرية للتكثير، محلها النصب على أنها مفعول به لـ {قَصَمْنَا}{مِنْ قَرْيَةٍ} تمييز لها. القصم كسر الشيء ودقه من الإبانة، وإزالة تأليفه بالكلية، وفي التعبير به من الدلالة على الغضب وشدة السخط ما لا يخفى.
والمعنى هنا: الإهلاك والعذاب {كَانَتْ ظَالِمَةً} صفة {قَرْيَةٍ} على تقدير مضاف، والظلم في الأصل وضع الشيء في غير موضعه، وهم وضعوا الكفر