للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من الحسن شيء، فإن افتخرت .. فافتخر بمعنى فيك غير خارج عنك.

وإذا أعجبك شيء من الدنيا .. فاذكر فناءك وبقاءه، أو بقاءك وزواله، أو فناءكما جميعًا، فإذا راقك ما هو لك .. فانظر إلى قرب خروجه من يدك، وبعد رجوعه إليك، وطول حسابه عليك، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر.

حكي: أنه حمل إلى بعض الملوك قدح من فيروزج موضع بالجوهر، لم ير له نظير، ففرح به الملك فرحًا شديدًا، فقال لمن عنده من الحكماء: كيف ترى هذا؟ فقال: أراه فقرًا حاضرًا ومصيبةً عاجلةً، قال: وكيف ذلك؟ قال: إن انكسر .. كانت مصيبة لا جبر لها، وإن سرق .. صرت فقيرًا إليه، وقد كنت قبل أن يحمل إليك في أمن من المصيبة والفقر، فاتفق أنه انكسر القدح يومًا، فعظمت المصيبة على الملك، وقال: صدق الحكيم ليته لم يحمل إلينا.

إِنَّمَا الدُّنْيَا كَرُؤْيَا فَرَّحَتْ ... مَنْ رَآهَا سَاعَةً ثُمَّ انْقَضَّتْ

٣ - ١٩ {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ}؛ أي: توسط (١) فيه، والقصد: ما بين الإسراع والبطء، يقال: قصد فلان في مشيته: إذا مشى مستويًا، لا يدب دبيب المتماوتين، ولا يثب وثوب الشياطين.

وقد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا مشى .. أسرع، فلا بد أن يحمل القصد هنا على ما جاوز الحد في السرعة، وقال مقاتل: معناه: لا تختل في مشيتك، وقال عطاء: امش بالوقار والسكينة، كقوله: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}.

والمعنى (٢): توسط بين الدبيب والإسراع، فلا تمش كمشي المظهرين الضعف في المشي، فكأنهم أموات، وهم المراؤون الذين ضل سعيهم، ولا كمشي الشطار ووثوبهم، وعليك بالسكينة والوقار.

وفي الحديث: "سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن". قال بعضهم: إن للشيطان من آدم نزغتين، بأيتهما ظفر قنع: الإفراط والتفريط، وذلك في كل شيء


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.