والخلاصة: أي وامش مشيًا مقتصدًا، ليس بالبطيء المتثبط، ولا بالسريع المفرط، بل امش هونًا بلا تصنع، ولا مراءة للخلق بإظهار التواضع أو التكبر، روي عن عائشة أنها نظرت إلى رجل كاد يموت تخافتًا فقالت: ما لهذا؟ فقيل: إنه من القراء - الفقهاء العالمين بكتاب الله - قالت: كان عمر سيد القراء، وكان إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع.
ورأى عمر رجلًا متماوتًا فقال له: لا تمت علينا ديننا - أماتك الله -. ورأى رجلًا مطأطئًا رأسه فقال له: ارفع رأسك فإن الإِسلام ليس بمريض.
{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}؛ أي: وانقص من صوتك واخفضه واقصر على قدر الحاجة، ولا تتكلف رفعه في محل الخطاب، والكلام خصوصًا عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعند الدعاء والمناجاة، فإن الجهر بأكثر من الحاجة يؤذي السامع، والخفض أوقر للمتكلم، وأبسط لنفس السامع وفهمه، والصوت هو الهواء المنضغط عند قرع جسمين، كما سيأتي بسطه في مبحث المفردات.
ثم علل النهي وبينه بقوله:{إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ}؛ أي: إن أبشع الأصوات وأقبحها، الذي ينكره العقل الصحيح، ويحكم بقبحه برفعها فوق الحاجة بلا داعٍ {لـ} هو {صَوْتُ الْحَمِيرِ} وغاية من يرفع صوته أنه يجعله شبيهًا بصوت الحمار في علوه، ورفعه، وهو البغيض إلى الله تعالى. وفي ذلك ما لا يخفى من الذم وتهجين رفع الصوت، والترغيب عنه، ومن جعل الرافع صوته كأنه حمار مبالغةً في التنفير من عمله، وهذا أدب من الله لعباده بترك الصياح عند وجوه الناس تهاونًا بهم، أو بترك الصياح جملةً، وقد كانت العرب تفخر بجهارة الصوت، فمن كان منهم أشد صوتًا .. كان أعز، وكان أخفض .. كان أذل، قال شاعرهم: