للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١٥٠ - و {بَلِ} في قوله: {بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ} إضرابٌ عن مفهوم الجملة الأولى؛ أي: إن تطيعوا الكافرين يخذلوكم، ولا ينصروكم بل الله مولاكم، وناصركم، ووليكم، وحافظكم، فاستعينوا به لا غيره.

وقرأ (١) الحسن بنصب الجلالة على تقدير، بل أطيعوا الله، لأن الشرط السابق يتضمن معنى النهي؛ أي: لا تطيعوا الكفار، فتكفروا، بل أطيعوا الله مولاكم {وَهُوَ} سبحانه وتعالى {خَيْرُ النَّاصِرِينَ}؛ أي: أقواهم وأفضلهم؛ فلا يحتاج معه إلى نصرة أحد، ولا إلى ولاية غيره، فاكتفوا به عن ولاية غيره ونصره. وفي هذا دلالةٌ على أن من قاتل لنصر دين الله لا يخذل ولا يغلب، لأنَّ الله مولاه وناصره، وقال تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ}، {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ}.

والمعنى (٢): لا تفكروا في ولاية أبي سفيان وشيعته، ولا عبدِ الله بن أُبَيٍّ وحزبه، ولا تأبهوا - لا تلتفتوا - لإغوائهم فإنهم لا يستطيعون لكم نصرًا، وإنما الله هو الذي ينصركم بعنايته التي وعدكم بها، في قوله: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} فقد جرت سنته أن يتولى الصالحين، ويخذل الكافرين كما قال: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (١٠) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (١١)}.

١٥١ - ولما انصرف المشركون من أحدٍ .. هموا بالرجوع لاستئصال المسلمين، وخاف المسلمون ذلك، فوعدهم الله تعالى خذلان أعدائهم بقوله: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}؛ أي: سنقذف في قلوب كفار مكة الخوف منكم حتى لا يرجعوا إليكم، وذلك أنَّ أبا سفيان، ومن معه ارتحلوا يوم أحد متوجهين إلى مكة، فلما بلغوا بعض الطريق ندموا، وقالوا: بئسما صنعنا، قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد .. تركناهم ارجعوا إليهم فاستأصلوهم؛ فلما عزموا على ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب، يعني الخوف الشديد، حتى رجعوا عما هموا


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.