للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

به. فعلى هذا القول: يكون الوعد بإلقاء الرعب في قلوب الكفار مخصوصًا بيوم أحد. وقيل: إنه عام، وإن كان السبب خاصًّا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "نصرت بالرعب مسيرة شهر". فكأنه قال: سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب منكم حتى تقهروهم، ويظهر دينكم على سائر الأديان، وقد فعل الله ذلك بفضله وكرمه، حتى صار دين الإسلام ظاهرًا على جميع الأديان والملل كما قال تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}.

وقرأ (١) الجمهور {سَنُلْقِى} بالنون، وهو مشعرٌ بعظم ما يلقى إذ أسنده إلى المتكلم بنون العظمة. وقرأ أيوب السختياني {سيلقى} بالياء جريًا على الغيبة السابقة في قوله: {وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} وقدم لفظ {فِي قُلُوبِهِمُ} وهو مجرور على المفعول، وهو الرعب للاهتمام بالمحل الملقى فيه قبل ذكر الملقى. وقرأ ابن عامر، والكسائي {الرعب} بضم العين، والباقين بسكونها فقيل: هما لغتان، وقيل: الأصل السكون، وضم إتباعًا كالصبح والصبح. وقيل: الأصل الضم، وسكن تخفيفًا كالرسل والرسل. والباء في قوله: {بِمَا أَشْرَكُوا} سببية، و {ما} مصدرية؛ أي: سنلقي في قلوبهم الرعب بسبب إشراكهم بالله {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ}؛ أي: آلهةً ومعبودًا لم ينزل الله تعالى بعبادته {سُلْطَانًا}؛ أي: برهانًا، وحجة، وكتابًا، وتسليط النفي على الإنزال، والمقصود نفي السلطان؛ أي: آلهةً لا سلطان في إشراكها، فينزل. وقال الشوكاني (٢): والنفي: يتوجه إلى القيد، والمقيد؛ أي: لا حجة، ولا إنزال، والمعنى: أنَّ الإشراك بالله لم يثبت في شيء من الملل انتهى.

وكان (٣) الإشراك بالله سببًا لإلقاء الرعب؛ لأنهم يكرهون الموت، ويؤثرون الحياة، إذ لم تتعلق آمالهم بالآخرة، ولا بثوابٍ فيها، ولا عقابٍ، فصار اعتقادهم ذلك مؤثرًا في الرغبة في الحياة الدنيا، كما قالوا: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا


(١) البحر المحيط.
(٢) فتح القدير.
(٣) البحر المحيط.