عنهم، قاصدين بهذه الإيمان الكاذبة أن يرضوا رسول الله، ومن معه من المؤمنين، فنعى الله ذلكم عليهم، وقال؛ {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}؛ أي: والحال أن الله سبحانه وتعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أحق بالإرضاء من إرضاء المؤمنين بالأيمان الكاذبة، فإنهم لو اتقوا الله، وآمنوا به، وتركوا النفاق .. لكان ذلك أولى لهم، وكان من الواجب أن يرضوهما بالإخلاص والتوبة والمتابعة، وإيفاء حقوقه - صلى الله عليه وسلم - في باب الإجلال مشهدًا ومغيبًا، لا بإتيانهم بالأيمان الفاجرة.
وإفراد الضمير في قوله (١): {يُرْضُوهُ} إما للتعظيم للجناب الإلهيِّ بإفراده بالذِّكر، أو لكونه لا فرق بين إرضاء الله وإرضاء رسوله، فإرضاء الله إرضاء لرسوله، أو المراد: الله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك، كما قال سيبويه: ورجحه النحاس، أو لأن الضمير موضوع موضع اسم الإشارة، فإنه يشار به إلى الواحد والمتعدد، أو الضمير راجعٌ إلى المذكور، وهو يصدق عليهما، وقال الفراء: المعنى: ورسوله أحق أن يرضوه، والله افتتاح كلام، كما تقول: ما شاء الله، وشئت، وفي التعبير بـ {يُرْضُوهُ} دون يرضوهما، إشعارٌ بأن إرضاء رسوله، هو
عين إرضائه تعالى؛ لأنه إرضاء له في اتباع ما أرسله به، وجواب قوله:{إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} محذوف، تقديره: إن كانوا مؤمنين .. فليرضوا الله ورسوله بالطاعة، فإنهما أحق بالإرضاء؛ أي إن كان هؤلاء المنافقون مصدِّقين بوعد الله، ووعيده في الآخرة، كما يدعون ويحلفون .. فليرضوهما، وإلَّا كانوا كاذبين، فإن المؤمنين قد يصدقونهم فيما يحلفون عليه إذا لم يكن كذبهم فيه ظاهرًا معلومًا باليقين، ولكن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فيوحي إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أمور الغيب ما فيه المصلحة للمؤمنين، وفي الآية عبرة للمنافقين في زماننا وفي كل زمان، إذ يحلفون حين الحاجة إلى تأكيد أخبارهم فيما يحاولون به إرضاء الناس، وبخاصةٍ الملوك والوزراء، الذين يتقربون إليهم فيما لا يرضي ربهم، بل فيما يسخطه بأخس الوسائل، وأقذر السبل،
٦٣ - ثم وبخهم على ما أقدموا عليه مع علمهم بوخامة عاقبته