بقوله:{أَلَمْ يَعْلَمُوا}؛ أي: ألم يعلم هؤلاء المنافقون، وهو استفهام، معناه التوبيخ والإنكار، كما ذكره أبو حيان {أَنَّهُ}؛ أي: أن الشأن والحال {مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ}؛ أي: من يخالف الله {وَرَسُولَهُ} - صلى الله عليه وسلم - بتعدي حدوده، أو بلمز الرسول في أعماله، كقسمة الصدقات، وفي أخلاقه وشمائله، كقولهم: هو أُذُنُ {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} أي: فحق أن له نار جهنم؛ أي، فكون نار جهنم له أمر ثابت؛ أي: فجزاؤه جهنم يصلاها يوم القيامة، حالة كونه {خَالَدًا فِيها} أبدًا لا مخلص له منها {ذَلِكَ} العذاب الخالد هو {الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} والذل البالغ إلى الغاية التي لا يبلغ إليها غيره، والهوان الذي يصغر دونه كل خزي وذل في الدنيا وهو ثمرات نفاقهم.
وقرأ الحسن والأعرج (١): {ألم تعلموا} بالتاء الفوقية على الخطاب، فالظاهر أنه التفات، فهو خطاب للمناقين، قيل: ويحتمل أن يكون خطابًا للمؤمنين، فيكون معنى الاستفهام التقرير. وإن كان خطابًا للرسول .. فهو خطاب تعظيم، والاستفهام فيه للتعجب، والتقدير: ألا تعجب من جهلهم في محادة الله تعالى، وقرأ الباقون:{أَلَمْ يَعْلَمُوا} بالياء التحتية وفي مصحف أُبيٍّ {ألم تعلم} قال ابن عطية: على خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. انتهى. والأولى أن يكون خطابًا للسامع. قال أهل المعاني:{ألم تعلم} الخطاب لمن حاول تعليم إنسان شيئًا مدةً وبالغ في ذلك التعليم فلم يعلم، فقال له: ألم تعلم بعد المباحث الظاهرة، والمدة المديدة، وحسن ذلك؛ لأنه طال مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - معه، وكثر منه التحذير عن معصية الله، والترغيب في طاعة الله، وقرأ الجمهور:{فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} بفتح الهزة على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: فحق أن له نار جهنم، أو فالواجب أن له النار، والفاء رابطةٌ جواب الشرط، وقرأ ابن أبي عبلة:{فإن له} بالكسر في الهمزة، حكاها عنه أبو عمرو الداني، وهي قراءة محبوب عن الحسن، ورواية أبي عبيدة عن أبي عمرو، ووجهه في العربية قوي؛ لأن الفاء تقتضي الاستئناف والكسر مختار؛ لأنه لا يحتاج إلى إضمار بخلاف الفتح.