للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يحجبهم من أن يدركوك على ما أنْتَ عليه من النبوة، ويفهموا قدرك الجليل، ولذلك اجترؤوا على أن يقولوا: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} ويمنعوا قلوبهم عن أن تفهم ما تقرؤه عليهم، فينتفعوا به، عقوبة منّا لهم على كفرهم، وتدسيتهم لأنفسهم، واجتراحهم الجرائم، والمعاصي التي تظلم القلوب، وتضع عليها الأغشية، وتستر عنها فهم حقائق القرآن، ومراميه، وأسراره وأحكامه، وحكمه، ومواعظه، وعبره؛ أي: أنهم (١) لإعراضهم عن قراءتك، وتغافلهم عنك كمن بينك وبينه حجابٌ يمرون بك ولا يرونك، ذكر هذا المعنى الزجّاج وغيره. ومعنى {مَسْتُورًا}؛ أي: ساترًا يسترك عنهم، قال الأخفش: أراد ساترًا، والفاعل قد يكون في لفظ المفعول، كما تقول إنك لمشؤومٌ وميمونٌ، وإنما هو شائم، ويامن وقيل: معنى مستورًا ذا ستر كقولهم: سيلٌ مفعمٌ؛ أي: ذو إفعام من أفعمت الإناء؛ أي: ملأته، وقيل: حجابًا لا تراه الأعين، فهو مستور عنها، وقيل: حجاب من دونه حجابٌ، فهو مستور بغيره، والمعنى حجابًا محجوبًا وقيل: المراد بالحجاب المستور الطّبع والختم.

٤٦ - ثمّ بين السّبب في عدم فهمهم لمدارك القرآن فقال: {وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ}؛ أي: على قلوب هؤلاء المشركين {أَكِنَّةً}؛ أي: أغطيةً، وموانع كثيرةً جمع كنان، وهو الغطاءُ {أَنْ يَفْقَهُوهُ}؛ أي: كراهية (٢) أن يفهموا القرآن على كنهه، ويعرفوا أنه من عند الله تعالى، فهو مفعول لأجله، ولكنه على حذف مضاف، هذا على رأي الكوفيين، أو لئلّا يفقهوا القرآن ويفهموا ما فيه من الأوامر، والنواهي، والحكم والمعاني، هذا على مذهب البصريين لقلة حذف {لا} بالنسبة إلى حذف المضاف، وهذا تمثيل (٣) لتجافي قلوبهم عن الحق، ونبوِّها عن قبوله، واعتقاده كأنها في غلف وأغطية، تحول بينها وبينه، وتمنع من نفوذه فيها.

{وَ} جعلنا {فِي آذانِهِمْ وَقْرًا} أي صممًا، وثقلًا مانعًا عن سماعه اللائق به، وهذا تمثيل لمجّ أسماعهم للحقّ ونبوها عن الإصغاء إليه، كأنّ بها صممًا


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) بحر العلوم.