١٧ - ثم ذكر سبب البسط حينئذٍ فقال:{لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}؛ أي: لنختبرهم في ذلك الإسقاء والتوسيع كيف يشكرونه، كما قال تعالى:{وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ} أو في ذلك الماء الغدق، والمآل واحد.
وقال الكلبيّ: المعنى وأن لو استقاموا على الطريقة التي هم عليها من الكفر، فكانوا كلهم كفّارًا .. لأوسعنا أرزاقهم مكرًا بهم واستدراجًا حتى يفتنوا بها، فنعذّبهم في الدنيا والآخرة، وبه قال الربيع بن أنس، وزيد بن أسلم، وكيسان، وأبو مجلز وغيرهم، واستدلوا بقوله تعالى:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} وقوله: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} الآية، والأول أولى.
وفي الآية: إشارة إلى أن المرزوق بالرزق الروحانيّ والغذاء المعنوي يجب عليه القيام بشكره أيضًا، وذلك بوظائف الطاعات وصنوف العبادات وضروب الخدمات.
والمعنى (١): أي لنختبرهم فيه؛ أي: لنعاملهم معاملة المختبر لنرى هل يشكروننا على هذه النعم، فإن وفوها حقَّها كان لهم من الجزاء الأوفى، وإن نكصوا على أعقابهم استدرجناهم وأمهلناهم، ثم أخذناهم أخذ عزيز مقتدر، كما قال: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٨٣)}.
{وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ}؛ أي: عن عبادة ربّه أو عن موعظته أو وحيه أو عن القرآن، أو عن جميع ذلك. {يَسْلُكْهُ}؛ أي: يدخله {عَذَابًا صَعَدًا}؛ أي: عذابًا شاقًّا صعبًا يتصعد عليه؛ أي: يعلو المعذب ويغلبه، فلا يطيقه على أنه مصدر وصف به للمبالغة.
أي: ومن يعرض عن القرآن وعظاته فلا يتبع أوامره ولا ينتهي عن نواهيه ندخله في العذاب الشاقّ الذي يعلوه ويغلبه، ولا يطيق له حملًا. يقال: سلكت الخيط في الإبرة إذا أدخلته فيها؛ أي: نسلكه في عذاب صعد كما قال: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢)}؛ أي: أدخلهم فيها. فحذف الجار، وأوصل الفعل ثم إن كان