والمعنى (١): وما كان من سنة الله، ولا من مقتضى عدله وحكمته أن يظلمهم بما حل بهم من العذاب، وقد أعذرهم وأنذرهم، ليجتنبوه، ولكن كانوا يظلمون أنفسهم بجحودهم وعنادهم، وعدم مبالاتهم، بإنذار رسلهم، وقد ضرب هذا المثل للكافرين برسالته - صلى الله عليه وسلم - والمنافقين ليبين لهم أن سنة الله تعالى في عباده واحدة، لا ظلم فيها ولا محاباة، فلا بد أن يحل بهم من العذاب مثل ما حل بأمثالهم من أقوام الرسل إن لم يتوبوا، وقد أهلك الله تعالى أكابر الجاحدين المعاندين منهم في أول غزوة، وهي غزوة بدر، ثم خذل من بعدهم في سائر الغزوات، وما زال المنافقون يكيدون له في السر، حتى فضحهم الله بهذه السورة، فتاب أكثرهم ومات زعيمهم عبد الله بن أبي بغيظه وكفره، ولم تقم للنفاق قائمة من بعده، وبهذا التمحص كانت أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خير أمة أخرجت للناس، نشر الله بها أعلام دينه، حتى سادت العالم جميعه.
ولمَّا وصف الله سبحانه وتعالى المنافقين بالأعمال الخبيثة، والأحوال الفاسدة،
٧١ - ثم ذكر بعده ما أعد لهم، من أنوع الوعيد في الدنيا والآخرة .. عقبه بذكر أوصاف المؤمنين وأعمالهم الحسنة، وما أعد لهم من أنواع الكرامات والخيرات في الدنيا والآخرة، فقال:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}؛ أي: والمصدقون بوحدانية الله ورسالة رسوله من الرجال، والمصدقات من النساء، بعضهم أنصار بعض آخر، وأصدقاؤه في الدين والمعاونة بتسديد الله وتوفيقه وهدايته، لا بمقتضى الطبيعة، وهوى النفس، بل قلوبهم متحدة في التوادد والتحابب والتعاطف، بسبب ما جمعهم من أمر الدين، وضمهم من الإيمان بالله ورسوله.
والولاية: ضد العداوة، فتشمل ولاية النصرة، وولاية الأخوة والمودة، ونصرة النساء: تكون فيما دون القتال، من الأعمال المتعلقة بتعبئة الجيوش، من